. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لِبُطْلَانِ ذاتِهِ.
قال: وَلَيسَ هذه كمسألة السَّفِينَةِ: إِذا أَفْضَى الأَمْرُ براكبيها إِلَى أنَّهم لَوْ غَرَّقُوا واحدًا، لَتَخَلَّصَ الباقُونَ؛ فإِنه لا أولويَّةَ، والقُرْعَةُ غَيرُ مشروعةٍ فيه، وليسَتْ مصلحةَ كُلِّيَّةً كَالتُّرْسِ. وكذلك جماعةٌ مُضْطَرُّون فِي مَخْمَصَةٍ؛ إِذا أرادُوا قَتْلَ واحدٍ وَلَا كَذَلِكَ كترس الكفار فِي قَلْعِة بمسلم؛ فإِنَّ المصلحة فِي جميع ذلك ليستْ كُلِّيَّةً، وليس فِي معناه قَطْعُ اليَدِ الآكِلَةِ؛ فإِنَّهُ ينقدح فيه الرخْصَةُ، وهي إِضرارُ الشخْصِ بنَفْسِهِ لمصلحتِهِ، وقد اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فِي الفَصْدِ والحجامة. لا يُقَالُ: فَلَا يُرَجَّحُ اعتبارُ الكثرة على القلَّةِ فِي مسألة السَّفينةِ إلحاقًا بالتُّرْسِ؛ لأنَّا نقولُ: إِنَّ الكثرة مُلْغَاةٌ بتحريمِ قَتْلِ مُكْرَهَينِ شَخْصًا وتحريمِ أَكْلِ مُسْلِمَينِ مسلمًا، بخلافِ المصلحةِ الكليةِ؛ فلا مانعَ أَنْ تختصَّ بوجوبِ الرعايةِ.
وَاحتجَّ المانعونَ مُطْلقًا: بأنَّه لَوْ تَقَرَّرَ، لَثَبتَ بقاطِعٍ، وَلا قاطع؛ فوجبَ نفيُهُ.
وَاحتجَّ المجوِّزونَ مُطلقًا: بأَنَّه قَدْ ثبتَ اعتبارُ المصالحِ قَطْعًا، فَما مِنْ مصلحةٍ تُقَرَّرُ إلَّا وَهِيَ مِنْ جِنْسِ المصلحةِ المُعْتَبَرَةِ، فيكونُ مِنَ "المُلَائِم"، وَهُوَ ما اعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الحُكْمِ.
وَأُجيبَ: بأنَّه معارَضٌ بِأَنَّ جِنْسَ المصالِحِ مُلْغى؛ فيجبُ إلغاؤُهُ؛ فيكونُ معتبرًا ملغى، وَهُوَ مُحَالٌ؛ فلا بدَّ مِنَ اعتبارِ الجنْسِ القَرِيبِ.
وَاحتجُّوا أَيضًا: بأَنَّ الحكمَ إمَّا أَنْ يستلزمَ مصلحة أوْ مفسدة، أو يخلُوَ عنهما، أو يجمعهما، وَعِندَ ذَلِكَ: إمَّا أنْ يتعادَلَا، أو تُرَجَّحَ هَذِه أَوْ تِلكَ؛ فَهذهِ ستةُ أَقسام. ثُمَّ لا بدَّ مِنْ إِلغاءِ المَفْسَدةِ الخالصةِ والراجِحَةِ والمساوية، وَالصُّوْرَةِ الخاليةِ عنهما؛ فَيَتَعَيَّنُ اعتبارُ المصلحةِ المَحضَة والراجحةِ؛ لأَنَّ تَرْكَ الخيرِ الكثيرِ لِلشَّيءِ القليلِ شَرٌّ كثيرٌ؛ وَهذَا كالمعلومِ بالضرورةِ مِنْ دِينِ الأَنبياءِ وَوَضْعِ الشرائعِ؛ فإِنَّها مصالحُ، وقد دَلَّ عليه صريحاتُ النُّصُوصِ، وشهادَةُ الأحكامِ، ولا تخلو وَاقِعَةٌ عن الدخولِ فِي قِسْم مِنْ هذه الأَقْسَامِ، وإِنْ لم نَجِدْ له شاهدًا يَشْهَدُ بحَسَبِ جنسه القريبِ، ولكنَّ هذا التقْسيمَ العَامَّ يوجِبُ العَمَلَ به؛ لأنه إِذا ثبت أنَّ المصلحة الغالِبَةَ واجبةُ الاعتبارِ، وثبت أنَّ هذه المصْلَحَةَ المعيَّنَةَ غالبةٌ - لَزِمَ مِنْ مجموعِ المُقَدِّمَتَينِ وجوبُ اعتبارِ المَصْلَحَةِ المُعَيَّنَة.
وربَّما يؤيدُونَ هذا باستقراء مَجَارِي اجتهادِ الصَّحابةِ، وبقوله - عليه السلام -: "إِنمَا أَقْضِي بِالظَّاهِرِ"؛ وبأن الترجيحَ بالرَّاجِحِ مُقْتَضَى صَرِيحِ العَقْلِ.
والقول الوجيز فِي رَدِّ ذلك أن الشَّارعِ، وإِنِ اعتبر المَصَالِحَ، إلا أنَّه قَيَّد اعتبارَهَا بقيُودٍ وشرائِطَ واصطِلاحات لا تهتدي العقول إليها، وغاية العقل أن يحكم بأَنَّ جَلْبَ المصلحَةِ ودَفْعَ المَفْسَدَةِ مطلوبانِ، لَكنَّ تحصيلَهمَا بالطريقِ المعين، ودفْعَهُما بالطَّريق الخاصِّ- لا يُهْتَدَى إِلَيه؛