. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
حُكمًا معيَّنًا، لَوَجَبَ أنْ يذكره، أَوْ لا؟
فالأوَّل: مذهَبُ مَنْ يقولُ: لا حُكمَ في الواقعةِ إلا أنَّه يَحْصُلُ حكْمٌ هو أشبَهُ بالصَّوَابِ عند الله تعالى.
والثاني: قولُ مَنْ يَقُولُ: ليس في الواقِعَةِ حُكُمٌ أصْلًا، وإنما يتبع الحُكْمُ الاجتهادَ":
وقد أَوجز في نقل المذاهب ها هنا، فلنذكرها علَى وجه أَبْسَطَ مِنْ هذا؛ فإنَّ هذه المسألَةَ مِنْ أمَّهَاتِ المَسَائِلِ، وينبني عَلَيهَا مسائلُ كثيرةٌ. وبالجملةِ، فكْلُّ مَسْألَةٍ فرعيةٌ اجتهاديَّةٌ لا نَصَّ فيها؛ فإِنَّ فيها اختلافًا بين النُّظَّار في أمورِ يترتب بعضُها علَى بعضٍ.
وقد ذَهَبَ جمهورُ المتَكلِّمين إِلَى أنَّ كُلَّ مجتهدٍ مصيبٌ. وقال قومٌ: المصيبُ واحِدٌ. وقد اختلَفَ الفريقَانِ معا في أَنَّ لله -تعالى- فيها حُكْمًا مُعيَّنًا، وهو مطلوبُ النَّاظِرِ، أَوْ لَا؟
فَذَهَبَ جمهورُ المصوِّبة إِلى أنَّه لا حُكمَ فيها، بل الحُكمُ فيها يَتبَعُ الظَّنَّ؛ وحكمُ الله تعالى على كُلِّ مجتهدٍ ما غَلَبَ علَى ظَنِّهِ، وهو مَذهَبُ ابْنِ البَاقِلَّانيِّ والأَشْعَرِي منَّا وأبي هَاشِم وابْنِهِ من المعتزَلةِ، وبعْض الفقهاءِ إلا أنَّ منهم مَنْ قال بالأشْبَهِ، وهو أن الله تعالى لَوْ حَكَمَ فيهَا بحكمٍ، لكان هو ذلك الحُكمَ، وعزاه الغَزَّالِيُّ في "المَنْخُول" إلى ابْنِ سُرَيجٍ.
ومنْهم من فسَّره بالأقْرَبِ من الأصْلَينِ اللَّذَين تتردَّد الواقعةُ بينهما: فَمَنْ ظَفِرَ به، فَقَدْ أصابَ، ومَنْ لا فَقَدْ أخطَأَ.
ومنهم من فَسَّره بما يَظهَرُ للفقيهِ في مجاري نظره وهذا لا ضَابِطَ له؛ فإن ذلك قد يتعارض.
وذَهَبَ بَعض المصوِّبة إِلَى أنَّ لله -تعالى- فيها حُكْمًا معيَّنًا يتوجَّه الطلَبُ إليه؛ إذ لا بُدَّ لكُلِّ طالبٍ من مطلوبٍ، ثم اختَلَفُوا:
فمنهم مَنْ قَال: لا دَلِيلَ عَلَيهِ، ولا أَمارَةَ، بل هُوَ كَدَفِينٍ يُعْثَرُ عليه.
ومنْهُمْ من قال: عليه أمارةٌ ظَنِّيَّةٌ، لكنَّا ما كُلِّفْنَا بها؛ لخفائها. وهذا قولُ كثيرٍ من الفقهاءِ، ونسبه بعضُهُمْ إلى الشَّافِعيِّ وأبي حنيفة.
ومنْهم مَنْ قَال: إنَّ المجتَهِدَ مُكلّفٌ بطلبها، لَكِنْ إنْ أَخطَأَهَا بَعْدَ بَذْلِ وسُعه، تعين تكليفُهُ، وصار متعلَّقه اتِبَاعَ ظَنِّه، وَسَقَطَ الإِثمُ تخفيفًا.
ونقل الأئمةُ عن الأُسْتَاذِ أبِي إِسْحَاقَ وجماعة من المتكلِّمين، منهم ابْنُ فُورَكَ وأبو بكر بْنُ مُجَاهِدٍ، أنَّ المصيب واحدٌ، وأنَّ لله تعالى في كل واقعةٍ حُكْمًا، وهو مطلوبٌ بالاجتهادِ، وأنَّ عليه أمَارَةً. ويُعْزَى هذا أيضًا إلى الشَّافِعِيِّ، ونقل الرواةُ الخِلافَ في التَّصْويبِ والتخطئَةِ عن الأئمَّة الأربعةِ، وعزا القاضِي مَذْهَبَهُ إِلى الشافعيِّ، وقال: لو لَمْ يَصِرْ إلَيهِ لكنت لَا أعده من أحزاب الأصوليِّين.
وقال الشِّيرازِيُّ: قال أكْثَرُ أصحاب الشافعيِّ: نصب الله على الحَقِّ دليلًا، وجَعَلَ إِلَيه