الثانِي: أَن المُجتَهِدَ: إِما أَن يُكَلفَ بِأن يَبنِيَ الْحُكمَ عَلَى طَرِيق، أَو لَا عَلَى طَرِيقٍ: وَالثانِي بَاطِل؛ لأَن القَولَ فِي الدينِ بِمُجَردِ التشَهِّي بَاطِل بِالإجمَاعِ؛ فَثَبَتَ أَنهُ لَا بُد مِنْ طَرِيق، فَذلِكَ الطرِيقُ:
إِما أَن يَكُونَ خَالِيا فِي نَفْسِ الأَمرِ عَنِ المُعَارِضِ، أو لا يَكونَ خَالِيًا عَنهُ:
فَإنْ لَم يَكُن لَهُ مُعَارِض، تَعَيَّنَ ذلِكَ الحُكمُ؛ فَيَكُونُ تَارِكُهُ مُخطِئًا.
وإن كَانَ لَهُ مُعَارِضٌ:
فَإِما أَن يَكُونَ أَحَدُهمَا رَاجِحًا عَلَى الآخَرِ، أَو لَا يَكُونَ:
فَإِن كَانَ أَحَدُهُمَا رَاجِحا، كَانَ العَمَلُ بِهِ وَاجِبًا بِالإِجمَاعِ؛ فَتَارِكُهُ يَكُونُ مُخطِئًا.
===
المذاهب فإن وجد فيها مجمعًا عليها، اتبَعَ الإجمَاعَ، وإن لم يجد إِجماعًا، خَاضَ في القياسِ، ويُلاحِظُ القَوَاعِدَ الكُلِّيةَ أولًا".
وليس فيما ذكَرهُ مُستَدرَك سِوَى تأخيرِهِ الإِجمَاعَ، وهو متقدم في العَمَلِ؛ وإنما آخره؛ لأنه إِنما كان حجة؛ لتضمنه النص أو استنادِهِ إليه، وإذا أَعوَزَه الجَميعُ، رَجَع إِلَى البراءة الأصليةِ.
والغَرَضُ أنه متَى يتعين عليه أن يَحكُمَ مع بذل وُسعِهِ؟ : فيه أربعةُ أقوال:
قيل: يكَفيه غَلَبَةُ الظَّنِّ بالانتفاءِ.
وقيل: لا بُدَّ أن يَحصُلَ له اعتقادٌ جازم وسكونُ نَفس؛ بحيثُ لا يُجَوزُ وجدَانَ مخصِّص، ولا معارِضٍ.
وقال القَاضِي: لا بُدَّ أن يبحثَ حَتى يَحصُلَ له عِلمٌ، وهو قريب من الأوَّلِ، إِلا أنه يعتقدُ أَن كُل مجتهد مُصِيبٌ، وقد ذكر طريقَينِ في القَطعِ ضَعِيفَينِ:
أحدهما: أنه إذا فرضَ النظَرُ في مَسألةِ قَتلِ المسلِمِ بالذمي مثلًا، تمسك بقوله -عَلَيهِ السَّلام-: "لا يقتل مُؤمِن بِكافر"، وهي مسألة طال البَحثُ فيها بين العُلَمَاءِ، ومع بحثهم عن المُعَارِصُ لو كان فيها مُخَصص أو معارض غيره ما اشتهر ذكره ولما ظهر. وهذه طريقة ضعيفة؛ فإنه لا يكادُ يعرف الخوض في جميع المجتهدين في كل مسألة، وهذا الذي ذكره على سبيل الفرض.