الثانِيَةُ: أَن الصفَةَ الفُلانيةَ حَاصِلَةٌ فِي مَحَل النزَاعِ.

فَهاتَانِ المقدمَتَانِ: إِن كَانَتَا قَطعِيتَينِ -فَهذَا القِيَاسُ لَا نِزَاعَ فِي كَونهِ حُجةً.

وإن كَانَتَا غَيرَ قَطعِيتَينِ، أَوْ كانَت إِحدَاهُمَا غَيرَ قَطعيةِ -كانَتِ النتِيجَةُ غَيرَ قَطعِية؛ لأَن الفرعَ لَا يَكُونُ أَقوَى مِنَ الأَصلِ، وَكُل مَا لَا يَكُونُ قَطعِيا كَانَ ظَنيا؛ لأَن الظن فِي مُقَابَلَةِ اليَقِينِ؛ قَال الله تَعَالى حِكَايَةَ عن قَوم: {إِنْ نَظُنُّ إلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيقِنِينَ} [الجاثية: 32]؛ فَجَعَلَ الظنَّ فِي مُقَابَلَةِ اليَقِينِ.

وَإِذَا كَانَ الحُكمُ المُثبَتُ بِالقِيَاسِ لَيسَ يَقِينيًّا - ثَبَتَ كَونُهُ ظَنيا؛ فَثَبَتَ أَن القِيَاسَ لَا يُفِيدُ إلا الظن، وَالظن لَا يَجُوزُ العَمَلُ بِهِ؛ لِقولهِ تَعَالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيئًا} [النجم: 28]، وَلقَولِهِ تَعَالى فِي ذَم الكُفارِ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إلا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116]، وَقَال تَعَالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]، وَالآيَاتُ الدّالَّةُ عَلَى ذَمَّ الظن كَثِيرَةٌ.

وَأَيضا: فإنهُ تَعَالى نَهى عَنِ الحُكمِ بِغَيرِ العلم؛ فَقَال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وَقَال جَل جَلالُهُ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]، وَقَال تَعَالى مُخَاطِبًا اليَهُودَ: {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 80].

===

الثاني: حُصُولُ الصفة الفلانية في مَحَلِّ النزاعِ.

فهذان المقامانِ، إِن كانا قطعيَّينِ، فهذا القياسُ لا نِزَاعَ في كونه حُجَّة، وإِن كانا غيرَ قطعيين أو كان أحدُهُما غيرَ قَطعِي- كانَتِ النتيجةُ غَيرَ قطعية؛ لأن الفَرعَ لا يكُونُ أقوَى من الأصلِ، وكل ما لا يكون قطعيا، كان ظنيا؛ لأن الظنَّ في مقابَلَتِهِ؛ قال الله تعالى؛ حكاية عن قَوم: {إِنْ نَظُنُّ إلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيقِنِينَ} [الجاثية: 32]، فجعل الظن في مقابدة اليقينِ، وإذا كان هذا الحُكمُ المثبَتُ بالقياسِ لَيس يقينيا - ثبت كونُهُ ظَنيا؛ فثبتَ أن القياسَ لا يُفِيدُ إلا الظن، والظن لا يجوزُ العَمَلُ به؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيئًا} [النجم: 28]؛ ولقوله تعالى في ذَم الكفار: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إلا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] وقال تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]، والآيات الدّالّة على ذَم الظنَّ كثيرة":

حاصلُ هذه الحُجَّةِ: المعارَضَةُ بالنصوصِ المانِعةِ من العملِ بالظن.

وقد أُجِيبَ عنها - بَعدَ تسليم عُمُومِها- بتَنَاوُلِ محل النزاع؛ فينها لا تتنَاوَلُهُ بخصوصها؛ لوجوه:

الأول: أنه تمسك بالظن في إبطال العَمَلِ بالظن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015