وَالاعْتِبَارُ مُغَايِرٌ لِهذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ، وَغَيرُ مُسْتَلْزِمٍ لِشَيءٍ مِنهَا؛ فَالأَمْرُ بِالاعْتِبَارِ لَا يَكُونُ أمرًا - أَلْبَتَّةَ - بالاعْتِبَارِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ.

وَلَا يُقَالُ: ذلِكَ الْمَفهُومُ الْمُشْتَرَكُ لَا يُمْكِنُ إِدْخَالُهُ في الْوُجُودِ إلا بِوَاسِطَةِ إِدْخَالِ أَحَدِ أَنْوَاعِهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلا بِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ؛ فَكَانَ إِدْخَالُ أَحَدِ أَنْوَاعِهِ في الْوُجُودِ وَاجِبًا، ثُمَّ لَيسَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ البَعْضِ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْبَاقِي؛ فَوَجَب حَمْلُهُ عَلَى إِيجَابِ الكُلِّ؛ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ:

لأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى إِيجَابِ نَوعٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَاجِبٌ - فَنَقُولُ: ههُنَا نَوعٌ وَاحِدٌ لَا بُدَّ مِنْ إِيجَابِهِ؛ لأَنَّهُ تَعَالى قَال: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيدِيهِمْ وَأَيدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]؛ فَهذِهِ الآيَةُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَدُلَّ عَلَى وُجُوبِ الاعْتِبَارِ في تِلكَ الصُّورَةِ؛ فَكَانَ صَرْفُ الآيَةِ إِلَى هذَا النَّوْعِ وَاجِبًا، وَإِذَا صَرَفْنَاهُ إِلَيهِ يَكْفِي ذلِكَ في الْخُرُوجِ عَنِ العُهْدَةِ بِالأَمْرِ بِالاعْتِبَارِ؛ فَلَمْ يَبقَ فِيهَا - أَلْبَتَّةَ - دَلَالة عَلَى إِيجَابِ القِيَاسِ الشَّرْعِيِّ.

===

قُلْنَا: مَنْ رَأَى أنَّ المسألةَ ظَنِّيَّة، اكْتَفَى به، ومَنْ زَعَمَ أنَّها عِلمِيَّةٌ، يقولُ: الآيَةُ مقطُوعٌ بنقلها، ويمنع مِن صَرفها عَن ظاهِرِهَا مُضَافَرَتُها لِلنُّصُوصِ الدالَّة على العَمَلِ بالقياس؛ كقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَينَ الْنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} [النساء: 105] وقوله تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] وقوله - عليه السلام -: "إِنَّنِي لأَقْضِي بَينَكُمْ بِالرَّأي فِيمَا لَمْ يَنْزِل فِيهِ وَحْيٌ".

وقال: وأمره - عليه السلام - سَعْدَ بنَ معاذٍ أن يَحْكُمَ في بني قُرَيظَةَ برأْيه، وَأَنْزَلَهُمْ على حُكمه. وقَال: "إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَخْطَأ فَلَهُ أَجْرٌ"، والأحاديثُ التي يأتي ذكرُهَا وتَقْرِيرُهَا بما أقَرَّتْ به النصوصُ الدالَّةُ على أن الإِجْمَاعَ حُجَّةٌ، وهو بعيدٌ ها هنا؛ فإِن النصوصَ ثمَّ كثيرة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015