اجْتِهَادُهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمِصيبَ وَاحِدٌ، لَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْخَطَأَ فِيهِ مِنْ بَابِ الصَّغَائِرِ، فَيُعفَى عَنْهُ.

خَامِسُهَا: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الرَّجُلُ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ، فَلَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ حَقًّا أَوْ بَاطِلا؛ فَلَا جَرَمَ: كَانَ فَرْضُهُ السُّكُوتَ.

فَعُلِمَ أَنَّ السُّكُوتَ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أُخْرَى سِوَى الْمُوَافَقَةِ، وَهذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: لَا يُنْسَبُ إِلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ.

===

فَارْحَمْ صَاحِبَكَ، وقول مُعَاذٍ لما هَمَّ عُمَرَ بِجَلْدِ الْحَامِلِ: مَا جَعَلَ الله لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلًا، فقال: لَوْلَا مُعَاذٌ لهلك عُمَرُ، وقول امرأة له لما نهى عن المُغَالاةِ في المُهُورِ: أيعطينا الله بقوله: {وَآتَيتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20]، ويمنعنا عمر؟ ! فقال: امْرَأَةٌ خَصَمَت عُمَرَ. وقول عَبِيدةَ السلماني لعلي لما قال: تجدد رأيي في بَيع أُمَّهَاتِ الأولاد-: رَأْيُكَ مع الجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَينَا من رأيك وَحْدَكَ:

والجَوَابُ: أنا لا نُسَلِّمُ أن ظاهر سُكُوتِهِمْ المُوَافَقَةُ؛ لما سنذكره من الأَسْبَابِ المُتَعَدِّدَة للسكوت غَير المُوَافَقَةِ، ووقوع وَاحِدٍ من أشياء مُتَعَدُدَةٍ، أَقْرَبُ من وُقُوعِ وَاحِدٍ بعينه منها.

وحجة الجبائي: أن الانقراض يؤكد احتمال الموافقة، وجوابه: منع ذلك مع عدم التكرار.

وحجة من قال: هو حجة، وليس بإجماع أن الظاهر الموافقة، فيكون حُجَّةً:

و[الجواب]: سلب القطع لما سنذكره من الاحتمالات.

وحُجَّةُ ابْنِ أبي هُرَيرَةَ: أن العَادَةَ عَدَمُ الاعتراض على الحُكَّامِ دون المفتين، للزوم الطَّاعَةِ والاتِّبَاعِ:

والجواب: مَنْعُ العَادَةِ قبل جَزْمِ الحُكْمِ.

قوله: "لنا -يعني اختيار مَذهَبِ الشَّافِعيِّ- أَنَّ السُّكُوتَ يحتمل وُجُوهًا ... " إلى آخرها:

واضحة، إلا أن الأَحْسَنَ في التَّرْتِيب أن يقدم احتمال مهلة النظر، ثم اعتقاد أن كُلَّ مجتهد مصيب، ثم اعْتِقاد أن غَيرَهُ أَظْهَرَ ذلك الإنكَار، فاكتفى به، ثم التَّقِيَّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015