إِذَا قَال بَعضُ أَهْلِ الْعَصْرِ قَوْلًا، وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عَنِ الإِنْكَارِ: فَمَذهَبُ الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّهُ لَيسَ بِحُجَّةٍ؛ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَال الْبَاقُونَ: إِنَّهُ حُجَّةٌ.
لَنَا: أَنَّ السُّكُوتَ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أُخْرَى سِوَى الرِّضَا:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ سَكَتَ لِلتَّقِيَّةِ.
===
أَن كُلَّ حُسْنٍ يَصِحُّ من الله -تعالى- فِعْلُهُ، والمتكلم عِنْدَكَ من قبل الكلام، فيكون البَارِي -تعالى- مُتَكلِّمًا به قبله، ولم يحر جوابًا. ويمكن أن يُجَابَ عنه بأنه لا يَلْزَمُ بالنِّسبَةِ إلى الله -تعالى- فإن له غُنْيَةً عنه، فإنه قَادِرٌ على مَنْعِهِ منه.
وأما المُنَاقَضَةُ العقلية: فهو أن القتل قصاصًا كالقتل ابتداء في الصورة والصِّفَاتِ؛ بدليل أن الغَافِلَ عن المستند فيهما لا يُفَرِّق بينهما، وقد حكمتم بِقُبحِ أَحَدِهِمَا وَحُسنِ الآخر، وحكم المثلين وُجُوبُ اشْتِرَاكِهِما فيما يَجِبُ، ويجوز، ويمتنع.
وأما البُرْهَانُ القَاطِعُ: فهو أن الحُكمَ بذلك حُكمٌ بالعقل بوقوع جَائز، وهو غَيبٌ عنَّا، والعقل لا جَرَيَانَ له في ذلك، بل حَظُّ العَقلِ في الجَائِزِ الحُكْمُ بجوازه، أما وُقُوعُهُ فلا يُعْرَفُ إلا بِحِسٍّ، أو وجْدَانٍ، أو عادة، أو إخبار صَادِقٍ، وإذا بَطَلَتْ قَاعِدَةُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ العَقْليّ- بَطَلَ ما بَنَوْهُ من الإِيجَابِ العَقْلِيِّ، والصلاح والأصلح.
وإنما ذكرنا هذه النبذة ها هنا؛ لأن هذِهِ القَاعِدَةَ ينبني عليها كَثِيرٌ من مَسَائِلِ الأصول عند الخُصُومِ، ولم يذكرها في هذا المُخْتَصَرِ، اكتفاء منه بِذِكرِهِا في "معالم أصول الدين" على وَجْهِ يكتفي به المحصل، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
[قوله]: "إِذَا قَال بَعْضُ أَهْلِ العَصْرِ قَوْلًا، وسَكَتَ البَاقُونَ عن الإِنْكَارِ- فَمَذْهَبُ الشَّافِعيِّ أنه لَيسَ بِحُجَّةٍ، وهو المُخْتَارُ".
اعْلَم أن لنا صُوَرًا ثَلَاثَةً: