. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فقال القاضي: هو الخطابُ الدَّالُّ على رَفْعِ حُكمِ خِطَابٍ سابق، وارتضاه الغزاليُّ.

واعْتُرِضَ عَلَيهِ بوجوه:

الأول: أنَّ الحكم عنده قديم، والخطابُ وتَعَلُّقُهُ لنفسه، فكيف يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ؟ !

الثاني: أنه غير جامعٍ؛ فإنَّ الحكم قد يستند إلى فعلِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويكون ناسخًا ومنسوخًا.

الثالث: أن ما ذكره حَدُّ الناسخِ لا النسخِ.

وأُجِيبَ عن الأول: بأنَّ المنسوخَ تَقَرُّرُ الحُكمِ فِي الأَذهان والمُعْتَقَدَاتِ، لا في نفس الأمر؛ فإِنه قَدِيمٌ.

وعن الثاني: بأنَّ الفعلَ إنما يَدُلُّ وإسناده إلى قول: إما عامّ؛ كقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام 155] وإما خَاصّ؛ كقوله -عليه الصلاة والسلام -: "صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي".

وأما الثالث: فلازم والأَسَدُّ فيه أنْ يُقَال: النَّسْخُ: رَفْعُ حكمٍ شرعيِّ بدليل شرعيِّ مُتَأخِّرٍ عَنْهُ، فالمعنيُّ برفع الحكم: أنَّ الشارع إذا أَمَرَنَا باستقبالِ بيت المقدس في كلِّ صلاة بغير عدد، وحكمنا بوجوب الاستقبال دائمًا، واعتقدنا دوامه، فإن وَرَدَ بعد ذلك قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة 144]-: كان زوالُ حُكمِنَا واعتقادِنا بوجوب استقبال بيتِ المقدس وارتفاعه- بسبب الخطاب؛ فَأُضِيفَ إِليه؛ كما أَنَّ مُقُتَضى البيعِ دوامُ المِلْكِ، فإِذا ورد الفَسْخُ عليه أُضِيفَ زوالُ المِلْكِ إِليه.

وتقييدُ الحكمِ المرفوعِ "بالشرعيِّ" احترازٌ من رفع حكم البراءة الأَصْلِيَّةِ، وإيجاب الصلاة والزكاة، وغير ذلك.

وتقييدُ الرافع بدليل شرعي: احترازٌ من سُقُوطِهِ بالموت، وطريان العجز مع شُمُولِهِ لجميع الأَدِلَّةِ الشرعية: القولية والفعلية.

وتقييدُه بالتأْخِيرِ: احترازٌ من تقييدِ الحُكْمِ بغاية ابتداء؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ} [البقرة 187].

هذا مذهب القاضي، وخالفه أبو إِسحاقَ الإسفراييني والإمام، وَردَّاهُ إلى بيانِ ظهور انتفاء شرط الاستمرار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015