مُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الأَصْلِ: أَنَّ كُل مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ - عَلَيهِ السَّلَامُ - فِي الطَّهَارَاتِ وَالصّلَاةِ والصَّوْمِ -: وَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَينَا مِثْلُهُ. فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ: إِمَّا نَصٌّ خَاصٌّ، أَو إِجْمَاعٌ بَينَ الأُمَّةِ، عَلَى أَنَّهُ لَيسَ بِوَاجِبٍ -: قَضَينَا بِعَدَمِ وُجُوبِه؛ وَإِلَّا حَكَمْنَا بِوُجُوبِهِ.
فَهذِهِ أُصُولٌ؛ مَنْ وَقَفَ عَلَيهَا؛ سَهُلَ عَلَيهِ مَعْرِفَةُ الشَّرِيعَةِ.
===
فهذ الرواية أَقَل تَغَيُّرًا، فَرَجَّحَهَا الشافِعِيُّ بذلك، بأنها أكثر رُوَاةً، وأنها مُقَيَّدَة بغزوة ذاتِ الرقاع، وهي من آخرِ الغزوات، التي صُلّيَت بها صلاةُ الخوف، ولا يرد عليه تبوك، أم يعني أنها آخر الغزوات مطلقًا؛ فيرد عليه ما ذكرناه؛ إِذ كان العَدَوِّ في غير جهة القِبْلَةِ وأنه -عليه الصلاة والسلام- صَلَّى بالطَّائِفَةِ الأُولَى رَكعَةً، ثم مَضَت إِلى تِجَاهِ العَدُوِّ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَصلَّى بِهمْ رَكعَةً ثُمَّ أَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، وَانْتَظَرَ الطَّائِفَةَ الأُولَى حَتَّى أَتَتْ وَصَلَّت مَا بَقِيَ عَلَيهَا، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ.
قوله: "الفائدة الثالثة: أَنَّ مُقْتَضَى ما ذكرناه أَنَّ كُل ما فَعَلَهُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الطَّهَارَةِ، والصلاة، والصوم -وجب علينا مثله. فإِنْ دَلَّ دليلٌ، إِمَّا نَصَّ، أو إِجماع، أو قياس على أنَّه ليس بواجب- قضينا بعدم وجوبه": وهذا لازم على ما اختاره وجوابه: ما ذكره، وهو واضح.
ومِمَّا يتعلق بذلك: أنا قد ذكرنا أنَّ الأَظهَرَ وجوبُ التأسي فيما ظهرت صِفَتُهُ من أفعاله - عليه الصلاة والسلام - على الوجه الَّذي أتى به من إِباحة، أو نَدْب، أو وجوب.
ويحتاج إِلى مَعْرِفَةِ الطُّرُقِ المُعَرّفَةِ لذلك: فَمِمَّا تُعْرَفُ به الإِباحَةُ: تَنْصِيصُهُ عليها، أو لآية دَلَّتْ على الإِباحة، أو فِعْلُهُ ذلك بيانًا لها.
ومِمَّا تعْرَفُ به النَّدْبِيةُ: تنصيصُهُ عليها، أو فعلُه امتثالًا لآية دَلَّتْ على النَّدْبِ، أو فِعْلُهُ بيانًا لها، أو كونه قضاءَ المندوبِ، أو التخييرُ بينه وبين مندوب، أو مُوَاظَبَتُهُ عليه وَتَركُهُ في حالةٍ من غير عُذرٍ ولا نسخ، أو كونه في معرض قَرِينةٍ مع أَنَّ الأَصْلَ رَفْعُ المؤاخذة.
ومِمَّا يُعْرَف بِهِ الوُجُوبُ: الخمسة المُتَقَدَّمَةُ، أو اقترانُهُ بما يَدُلُّ على وجوبه، كال صلاة بأذانٍ، أو كزيادة الركوع في صلاة الخوف؛ لأنه لو لم يكن واجبًا فيها - أعني: وجوب شرائط الصحة كوجوب الطهارة في صلاة النافلة - بَطَلَتِ الصَّلَاةُ.