الْجَوَابُ: أَنَّ الدَّلَائِلَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا: إِنْ تَرَكْنَاهَا - لَزِمَنَا صَرْفُ تِلْكَ الظَّوَاهِرِ إِلَى الْمَجَازَاتِ، وَلَوْ أَبْقَينَاهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا لَزِمَنَا إِدْخَالُ التَّخْصِيصِ فِيهَا؛ وَقَدْ بَيَّنَّا في "بَابِ الْمَجَازِ": أَنَّ التَّخْصِيصَ خَيرٌ مِنَ الْمَجَازِ.

===

قوله: "الجواب أن الدلائل التي ذكرناها: إِنْ تركناها لَزِمَ صَرْفُ الظواهر إِلى المجازات"، يعني: أَنْ تُصْرَفَ الأَوامِرُ لغير الوجوب، وهو مجازٌ.

قوله: "ولو أبقيناها على ظواهرها، لزمنا إِدخالُ التخصيصِ عليها": لأنَّ الأَمْرَ بالاتباع، والتأسِّي، وغيره - مُقْتَضَاهُ التَّعْمِيمُ، وقد أَجْمَعْنَا على تَخصِيصِهِ.

قوله: "قد بَيَّنَّا في بابِ المجازاتِ أَنَّ التخصيصَ خَيرٌ من المجازِ": يعني: فيكون الاعتمادُ على، ما ذكرنا من أدلة الوجوب، أَوْلَى.

واحتجَّ لِلنَّدْبِيَّةِ بالآية المتقدمة، وهي قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، ولم يقل: عليكم، وما ذكر في تقرير الندبية، يُعَارِضُهُ ما ذكر في تقرير الوجوب.

واحتجوا: بأنَّ ما فعله: إِمَّا أَنْ يكونَ راجِحَ الفعلِ، أو التَّرْكِ، أو مساويًا، ولا جَائِزٌ أَنْ يكونَ راجِحَ التركِ؛ لِمَا يلزمُ فيه من المُخَالفَةِ، وَمَنْصِبُهُ -عليه الصلاة والسلام- يَجِلُّ عن ذلك، ولا مساويًا؛ لأنه عَبَثٌ؛ فيتعَيَّنُ أَنْ يكونَ راجحًا.

ولُحُوقُ العِقَابِ، أو الذَّمِّ مَشْكُوكٌ فيهما؛ فيتعين النَّدْبُ.

والاعتراضُ عليه: لا نُسَلِّمُ أَنَّ فِعْلَ المساوي عَبَثٌ؛ بل إِباحة.

والظاهِرُ حَمْلُ ما كان في مَحَلِّ القربة على النَّدْبيَّةِ؛ لأنه راجِحُ الفعلِ، وهو المُتَيَقَّنُ.

وما لم يكن في محل القربة: على الإِباحَةِ، إلا ما خَصَّهُ الدَّلِيلُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015