الْمُختَارُ -عِنْدَنَا-: أَنَّ الاسْتِثنَاءَ مِنَ النَّفْيِ، لَيسَ بِإِثْبَاتِ؛ وَيَدُلُّ عَلَيهِ وَجْهَانِ:
الأَوَّلُ: أَنَّ الأَلْفَاظَ تَدُلُّ عَلَى الصُّوَرِ الْمُرْتَسِمَةِ فِي الأَذْهَانِ، وَالأحْوَالُ الذهْنِيَّةُ مُطَابِقَةٌ لِلأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ، وَالاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّفْظِ: إِنْ صَرَفْنَاهُ إِلَى الْحُكْمِ، أَفَادَ زَوَال الحُكْمِ، وَإِنْ صَرَفْنَاة إِلَى ذلِكَ الْعَدَمِ، أَفَادَ زَوَال الْعَدَمِ؛ فَحِينَئِذٍ: يُفِيدُ الثُّبُوتَ، إِلَّا أَنَّ
===
[المسألة السابعة]
اتفقوا على أنَّ الاستثناءَ من الإِثْبَاتِ نَفْيٌ وإنِ اختلفوا في الاستثناء من النفي، هو إثباتٌ أم لا؟
فالجمهور: على أنه إثبات.
وقال أبو حنيفة: ليس بإثباتٍ، بل مُقْتَضَاهُ خروجُ المُسْتَثْنَى من الحكم لَا غَير، وساعده الفَخْرُ ها هنا.
قوله: "ويدل عليه وجهان: الأول: أن الألفاظ تدل على الصور المُرْتَسِمَةِ في الأذهان" يعني: أنها حقيقةٌ بالوضع الأَوَّل فيها.
قوله: "والأحوال الذِّهْنِيَّةُ مطابقة للأمور الخارجية" يعني: إِنِ اسْتُعمِلَت فيها فهي بطريقِ المجاز.
وقد احتجَّ على هذه القضية في "المحصول" من وجهين:
أَحَدُهُمَا: أَن الألفاظَ تَتَغَيَّرُ عند تَغَيَّرُ الصُّوَرِ الذهنية، وإن لم تتغيرْ في الخارج، كما لو رأى شخصًا من بعيدٍ فَتَوَهَّمَهُ فَرَسًا، فقال: هذا فَرَسٌ، فإذا تَحَقَّقَ أنه إِنسان قال: هذا إنسان.
والثاني: أنَّ الألفاظ لو كانت موضوعةٌ للخارج لكانَ قَوْلُ القائِلِ: قام زيد لا يَحْتَمِلُ الكَذِبَ؛ لأنه موضوعٌ لِلنسْبَةِ الخارجة، ولا يحتملُ غَيرَهُ.
أَمَّا إذا كان للنسبةِ الذِّهْنِيَّةِ فقد يُطَابِقُ الخارجَ، وقد لا يُطَابِقُ، فَيَحْتَمِلُ الصِّدْقَ والكَذِبَ.
وجوابُ الأَوَّلِ: أن اختلافَ الصورِ الذِّهنِيَّةِ إنما كان لاختلافِ الخَارِجِيِّ، والغَلَطِ في الحِسَّ، فهو إنما أَخْبَرَ أنه فَرَسٌ؛ لتوهم أنه أدركه محسوسًا فرسًا.