الرَّابعُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَيِّ وَاحِدٍ أُرِيدَ، وَهُوَ يُفِيدُ الْعُمُومَ؛ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
الْخَامِسُ: الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ فِي اقْتِضَاءِ الْكَثرَةِ، فَوْقَ الْمُنَكَّرِ؛ لأَنَّهُ يَصِحُّ انْتِزَاعُ المُنَكَّرِ مِنَ الْمُعَرَّفِ، وَلَا يَنْعَكِسُ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَال: "جَاءَنِي رِجَالٌ مِنَ الرِّجَالِ"، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال: "جَاءَنِي الرِّجَالُ مِنْ رِجَالٍ"؛ وَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ: أَنَّ الْمُنْتَزَعَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنَ الْمُنْتَزَعِ.
إِذَا ثَبَتَ هذَا، فَنَقُولُ:
الْمَفْهُومُ مِنَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ: إِمَّا الكُّلُّ، وَإِمَّا دُونَهُ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لأَنَّهُ مَا مِنْ عَدَدٍ دُونَ الْكُلِّ إِلَّا وَيَصِحُّ انْتِزَاعُهُ مِنَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ؛ وَثَبَتَ أَنَّ الْمُنْتَزَعَ مِنْهُ أَكثَرُ؛ وَلَمَّا بَطَلَ هذَا - ثَبَتَ أَنَّهُ يُفِيدُ الْكُلَّ.
احْتَجَّ الْمُنْكِرُونَ لِلْعُمُومِ بِوُجُوهٍ:
الأَوَّلُ: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَال: "جَاءَنِي كُلُّ النَّاسِ"، "جَاءَنِي بَعْضُ النَّاسِ"، وَلَوْ كَانَ قَوْلُنَا: "النَّاسُ" يُفِيدُ الْعُمُومَ - لَكَانَ الأَوَّلُ تَكرَارًا، وَالثَّانِي نَقْضًا.
===
[و] قوله: "إنَّ حَمْلَهُ على بعض مبهم تعطيلٌ" لا يسلم، بل يفيد الجمع المطلق؛ كما نقول في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ.} الآية [التوبة 60].
قوله: "الرابع: أنه يَصِحُّ استثناءُ كُلِّ واحدٍ، وذلك يدل على أنه يفيد العموم" وقد مضت هذه الحجة، والاعتراضُ عليها والانفصالُ، في المسألة التي قبلها.
قوله: "الخامس: الجمع المعرف في اقتضاء الكثرة فوق المنكر؛ لأنه يصح انتزاع الجمع المنكر من المعرف -يعني: تعريف الجنس- ولا ينعكس؛ فإِنه يجوز أن يُقال: جاءني رجالٌ من الرجال، ولا يجوز أنْ يُقال: جاءني الرجال في رجال، ومعلوم بالضرورة أن المنزوع منه أكثر. إذا ثبت هذا فنقول: المَفْهُومُ من الجَمْع المُعَرَّفِ إِمَّا الكل، وإما دُونه: والثاني باطِلٌ؛ لأنَّ ما مِنْ عَدَدٍ دُونَ الكل إلَّا ويصح انتزاعه مِنَ الجمع المعرف، فثبت أَنَّ المنزوعَ منه أكثر" ولا بَأس بهذه الحُجَّةِ، وقوتها راجعة إلى حجة الاسْتثناء.
قوله: "احتج المنكرون للعموم بوجوه: الأول: أَنه يصح أن يقال: جاءني كُلُّ الناس، وجاءني بعضُ الناس، فلو كان قولُنا: "الناس" يفيد العُمومَ، لكان الأول تَكرَارًا، والثاني نقضًا" يعني: أَن اللامَ الدالة على الاسْتِغْرَاقِ مقدرة بكل واحدٍ، فلو أدخل عليها "كُلّ" لكان تكرارًا. وجوابه: أنه تأكيدٌ. وقولُه: "لو أدخل عليها "بعض" لكان نقضًا".
وجوابه: أنها وإن أفادتِ العُمُومَ لا تفيده نصًّا، وإنما تفيده مع احتمال إرادة الخصوص، وقولُه: "بعض" تعيين لإرادة الاحتمال الخفي.
قوله: "إنه يصح أَنْ يُقال: جاءني كُلُّ الناس إلَّا الفقهاء، ولو كان لفظ "الناس" يفيد العموم - لجرى مَجْرى ما إذا صرح بذكر جميع أنواع الناس، فيصير [قوله]: جاءني الناس إلَّا الفقهاء جاريًا