لأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ الأَمْرَ الأَوَّلَ دَلَّ عَلَى أَصْلِ الرُّجْحَانِ، فَلَمَّا قَال مَرَّة أُخْرَى: "فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ، "فَأتُوا مِنْهُ" أَصْلَ التَّرْجِيحِ؛ وَإِلَّا لَزِمَ التَّكرَارُ الْخَالِي عَنِ الفَّائِدَةِ؛ فَوَجَبَ حَملُهُ عَلَى فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ، وَتَأكِيدُ الطَّلَبِ - بِحَيثُ يَمْنَعُ مِنَ التَّرْكِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ؛ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيهِ، إلا أَنْ يَذكُرَ الخَصْمُ مَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا، ثُمَّ تَأَكَّدَ مَا ذَكَرْنَا بِقَوْلِهِ: "مَا اسْتَطَعْتُمْ"؛ فَإنَّهُ يُفِيدُ الْمُبَالغَةَ التَّامَّةَ فِي الطَّلَبِ؛ وَذلِكَ يُفِيدُ الْمَنْعَ مِنَ التَّرْكِ.
===
هذا الحديثُ احتجَّ به الغَزالِيُّ، وغيرُه على الندب".
تقريره: أنَّه لما قال - عليه الصلاةُ والسلام-: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمُ، وَإِذَا نَهَيتُكُمْ فَانْتَهُوا"، أمر بالانتهاءِ مُطلقًا، ورد الأمر إلى إِرَادَتنا، والمردود إِلى إِرادتنا هو المندوب.
ويرد عليهم: بأنَّه لا يُفهم مِنْ قولِه: "مَا اسْتَطَعْتُمْ" الندب؛ فإِنَّ الوُجُوبَ مُقَيَّدٌ أيضًا بالاسْتطاعة؛ قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].
قولُه: "لَا يُقالُ: "فأتُوا، صيغة أمر، فالا سْتدلالُ به على أَنَّ الأمر للوجُوبِ - إِثباتٌ لِلشَّيءِ بنفسه".
تقريره: أَنَّ النزاعَ فِي مطلق صيفة "افعل" المجردة عن القرائن: هل تكون حقيقةً فِي الوجوب، أو لا؟ [و] قوله: "فأْتُوا" فرد مِنْ أفرادها، وصورة من صور محلِّ النزاع، وإثبات الكل بفرد منه يستلزم إِثبات الشيء بنفسه، وهو دور؛ فإِنَّه لا يثبتُ أَنْ قوله: "فأتوا" للوجوب، ما لم يثبت أَنَّ "افعل" للوجوبِ، ولا يثبت أَنَّ "افعل" للوجوب، ما لم يثبت أن "فأتوا" للوجوب.
قوله فِي الجواب: "لأَنَّا نقولُ: إِنَّ الأمر الأول دَلَّ على أَصْل الرُّجْحَانِ، فحمْلُ قوله: