دلالة الإنسان .. لفظ إنسان هذا مفرد، ما معناه على ما يذكره المناطقة هنا؟
معناه الذي وُضِع اللفظ له مركب من شيئين وهو: حيوان، وناطق. حيوان فَعَلان يعني: مما فيه الحياة وليس المراد بالحيوان المتعارف ((وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)) [العنكبوت:64] اللفظ هذا لا إشكال فيه، حيوان يعني: فيه روح فيه حياة، ولذلك عُبِّر بفَعَلان التي تدل على الغليان.
ناطق المراد به القوة العاقلة وليس المراد به النطق الكلام، وإلا من وُلد أخرس لا يكون إنساناً، وإنما المراد القوّة العاقلة "القابلية عنده للتفكير" يعني: يفكِّر، وهذه هي الميزة بين الإنسان والبهيمة.
حينئذٍ إذا قيل: إنسان فُهِم منه حيوانٌ ناطق، إذا كان كذلك نقول: طابق اللفظ -الذي هو لفظ إنسان- المعنى .. تطابقا؛ لأنه قد يُستعمل اللفظ في بعض معناه، كيف يُستعمل اللفظ؟
قد يستعمل لفظ الإنسان ويراد به الناطق فقط دون حيوان، حينئذٍ لم يُستعمل على تمام ما وُضِع له وإنما في بعض ما وُضِع له، وإذا استُعمل الإنسان في الحيوان فقط دون الناطق أو بالعكس، وقد يُستعمل الإنسان في الدلالة على شيءٍ خارجٍ عنه كالكتابة والعِلم ونحو ذلك مما يتصف به الإنسان.
حينئذٍ نقول: لفظ الإنسان له عدة استعمالات، عدة إطلاقات لكن الأصل الذي يكون عمدة في حمل اللفظ على معناه أن يُحمَل اللفظ على معناه الذي وُضِع له في لسان العرب ابتداءً، ولذلك قال: ما وُضِع لمعنى ثم قال: (بتوسُّط الوضع على تمام ما وُضِع له).
فنقول: وُضِع في لسان العرب ويراد به الحيوان الناطق، فيُحمَل عليه. هذا النوع الأول.
وسُمِّي مطابقة لما ذكرنا سابقاً.
قال: (ويدلُّ على جزئه) ما هو الذي يدل؟
اللفظ، كأنه يقول: واللفظ الدال بالوضع يدل باعتبار وضعه لتمام ما وُضِع له على جزئه.
وهذا إنما يتأتى إذا كان المعنى مركباً، متى نقول: المعنى له جزء؟ إذا كان مركباً، فإن لم يكن له جزءٌ انتفت دلالة التضمن هذا النوع الثاني وهو دلالة التضمن.
متى نقول بدلالة التضمن؟ نقول: إن كان المعنى له جزء وإن لم يكن له جزء بل هو جزءٌ واحد لا يتجزأ، حينئذٍ لا تتأتى دلالة التضمن.
ولذلك قال: (ويدل على جزئه) أي: على جزء ما وُضِع له.
(جزء ما) أي: المعنى؛ لأن الجزئية هنا باعتبار ماذا: اللفظ أو المعنى؟ الجزئية هنا .. النظر للجزء –بعض- باعتبار اللفظ أو المعنى؟ المعنى، بحثُنا في المعاني.
إذاً: (على جزء ما) المعنى الذي (وُضِع اللفظ له) لذلك المعنى، انتبه هذه ضمائر هي التي تفتِّح الذهن.
(على جزء ما) أي: على جزء المعنى.
(الذي وُضِع اللفظُ) الضمير هنا -نائب الفاعل- يعود إلى اللفظ.
(له) أي: لذلك المعنى.
قال: (بِالتَّضَمُّنِ) يعني: يدل على جزئه بدلالةٍ تسمى دلالة التضمن، لماذا سُميت دلالة تضمن؟ لتضمُّن المعنى لجزئه وهو كذلك، المعنى الكلي المركب يتضمن جزءه، كتضمن لفظ الإنسان للحيوان فقط، أو تضمن لفظ الإنسان للناطق فقط، أو دلالة الأربعة على الواحد فقط مثلاً، أو على الاثنين فقط، أو على الثلاثة فقط. نقول: هذه دلالة تضمن.