بحيث تطابق أجزاء اللفظ أجزاء المعنى، والثاني متحققٌ في دلالة المركب الأجزاء للأجزاء فلا تكون خارجة عن الدلالات، وهذا هو الحق الذي ينبغي اعتماده في هذا الموضع.
وقلتُ: هذا يفيدك كقاعدة عامة في باب التفسير، إذا أردت أن تفسّر آية أو جملة من القرآن أو من السنة، فحينئذٍ تنظر هل المعنى الذي أخذته مطابق أو لا؛ بحيث لا يزيد المعنى عن اللفظ.
لأن البعض قد يستنبط شيئاً والنص لا يدل عليه، فيكون المعنى فيه زيادة عن اللفظ، ما نوع الدلالة؟ لا بد أن تذكر ذلك.
فكل معنًى تأخذه من آية، كل معنى تأخذه من حديث يرِد السؤال: هذا المعنى الذي أخذتَه من هذا النص النبوي أو القرآني هل الدلالة عليه بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام؟ لا بد من جواب، إن قلت: ما أدري. تبقى مشكلة هنا، كيف تستنبط وكيف تقول: هذا قاله الله تعالى أو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم تقول: ما أدري بأي دلالة! هذه مشكلة.
والحاصل: أن دلالة المركب وضعية؛ لأن دلالة الوضعية ليست هي عبارةً عن دلالة اللفظ على المعنى الموضوع له، وإلا لما كانت دلالة التضمن والالتزام وضعية، بل ما يكون للوضع مَدخلٌ فيها على ما فسّرها القوم به، فتكون دلالة المركبات وضعية ضرورة أن لأوضاع مفرداته دَخَلاً في دلالته.
إذاً: نخلُص من هذا البحث: أن قول المصنف هنا .. وهذا تحمِله في باب الأصول؛ لأنه قل من نبّه على أن الوضع هنا يشمل المركبات، ولذلك وقع الوهم عند كثير من طلاب العلم أن دلالة المطابقة خاصةٌ بالمفردات وليس الأمر كذلك، بل القرآن لو أردت أن تفسّره ما تفسّره بالمفردات وإنما تنظر إلى المركبات جمل؛ لأنه مبتدأ وخبر، فعل وفاعل. حينئذٍ كيف تفسّره بالمفردات؟ هذا خطأ، يعتبر خَللاً في التفسير، إلا إذا أُريد تحقيق معنى لفظي حُكِم عليه فلا إشكال في أن يُنظر إلى ذلك المعنى الذي وُضع له ذلك اللفظ في استعمال العرب.
وأما الأصل كقاعدة عامة: التفسير هو ما يؤخذ من المركبات وإلا ما صار تفسيراً، وإنما ذاك يكون معجمَاً أو يكون نظراً إلى لمفردات بحد ذاتها.
إذاً: قوله: (وهو) أي: اللفظ الدال بالوضع (ما) أي: لفظٌ.
(وُضِع لمعنى) وهذا المعنى سواءً كان مفرداً أو مركباً؛ لأن القسمة رباعية عندهم، اللفظ إما أن يكون مفرداً أو مركباً، والمعنى إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون مركباً .. المعنى قد يكون مركباً وقد يكون مفرداً.
مركباً كما لو "وسيأتينا هذا كمثال في دلالة التزام" العمَى، العمى له معنى ما معناه؟ سلبُ البصر، سلب البصر هذا مركب؛ لأنك لا بد أن تفهم معنى سلب ولا بد أن تفهم معنى البصر. إذاً: معناه مركب واللفظ واحد.
كذلك المفرد على المفرد زيد يدل على ذات مشخّصة واحدة.
إذاً: الدال إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون مركباً، المدلول عليه المعنى إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون مركباً.
قال: (ما وُضع لمعنى).
قال: (يدل بتوسطِ الوضع) ما الذي يدل؟ اللفظ، الكلام على اللفظ .. يدل هو أي: اللفظ.
(يدل) أي: يُفهِم، الدال يعني: الإفهام، ويدل يعني: يُفهم.
(يدل بتوسط الوضع) يعني: بواسطة الوضع، وعرفنا معنى الوضع والمراد بالوضع.
(يدل بتوسط الوضع على تمام ما وُضع).