يُطلق التصور بالمعنى الأعم ويراد به حصول صورة الشيء في النفس "حصول يعني: وجود" أياً كان ذاك الشيء، وأشبه ما يكون بالشيء هنا ما يراد به المعنى، وحينئذٍ لا يختص لا بمفرد ولا بمركب.

حصول صورة الشيء في النفس يعني: القوة العاقلة، حصول صورة الشيء كزيد، هذا مفرد؟ حصول صورة الشيء كزيد. مدلول زيد حصل في النفس مفرد؟ مفرد.

إذاً: دخل في هذا الحد الذي هو التصور ولا إشكال فيه.

حصول صورة الشيء كـ: زيدٌ قائمٌ وهو ثبوت القيام لزيد، أو كقام زيدٌ وهو ثبوت القيام لزيد، حصل في النفس؟ حصل في النفس، يدخل تحت قوله: حصول صورة الشيء؟ نعم يدخل تحته.

إذاً: شمِل إدراك المفرد، وشمِل إدراك المركب.

سؤال: ما الفرق بين قولنا: العلم إدراك المعاني مطلقا، وبين قولنا: التصور حصول صورة الشيء في النفس، ما الفرق بينهما؟

لا فرق؛ لأن الأول شمِل "دعك من الألفاظ"، الأول شمِل التصور والتصديق يعني: إدراك المفردات وإدراك المركبات، والثاني شمل كذلك إدراك المفردات وإدراك المركبات.

إذاً: التصور يُطلق في بعض الاستعمالات ويرادف العلم، يكون مرادفاً للعِلم لكن ليس بالمعنى الأخص وإنما بالمعنى الأعم، فشمِل التصور هنا التصديق .. دخل فيه التصديق، سواء كان نظرياً أو ضرورياً، جازماً أو غير جازم، مطابقاً أو غير مطابق.

إذاً: دخل التصور بأنواعه، ودخل التصديق بأنواعه تحت الحد.

حينئذٍ نقول: هنا المراد به مطلق التصور، هل هذا هو الذي يكون قسيماً للتصديق؟ الجواب: لا، وإنما المراد به الذي يكون قسيماً للتصديق وأحد نوعي العلم وليس مرادفاً للعلم هو أن يعرَّف التصور بأنه إدراك المفرد، وهو الذي يعبِّر عنه بعضهم بأنه التصور المقيد بعدم الحكم.

بمعنى أنه يَتصور المفرد يعني: يُدرِك معنى المفرد، وما أكثر المفردات التي يتصورها الإنسان ويدرك معانيها دون أن يحكم عليها بشيء، فتتصور معنى زيد مثلاً ولا تحكم عليه لا بقائم ولا بعالم ولا بجاهل .. إلى آخره.

نقول: إدراك وفهم معنى زيد دون أن تُثبِت له شيء أو تنفي عنه شيء يسمى تصَوراً، فهو إدراك مفرد ليس إدراك مركَّب إسنادي.

ثم هو إدراكٌ لمفرد وهذا الإدراك لم يَنصب معه على المفرد حُكمٌ لا بالإثبات ولا بالنفي، فقلت: زيد. وعرفتَ المراد بزيد.

وهذا يجري في سائر الفنون، ولذلك في أول العلوم يقال: الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعلُه، هذا يسمى حد، لكن يسمى بالذي معنى هنا تصوراً؛ لأنك عرَفْت كلمة الفاعل كما لو عرَفت كلمة زيد، ما المراد بزيد؟ الذات المشخَّصة.

الفاعل، ما هو الفاعل؟ الاسم المرفوع، ما هو المفعول به؟ ما هو التمييز؟ ما هو الحال؟ ما هو العام؟ ما هو الخاص؟ ما هو الناسخ؟ .. إلى آخره.

فجميع التعاريف في جميع الفنون هي مثالٌ للتصورات النظرية، فهي إدراك لمفردٍ، فإذا فهِمت المراد بالفاعل حينئذٍ تحكُم عليه بأنه مرفوع، وهو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله ..

مرفوع قالوا: هذا غلط، لماذا؟ لأن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، فأنت بيّن لنا أولاً ما هو الفاعل ثم احكم عليه، أما تبيّن الفاعل وتذكر الحكم معه ونحن نريد التصور هذا غلط .. تناقض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015