(فزيدٌ محمومٌ، فتعفُّن الأخلاط) الذي هو الحد الأوسط، الأخلاط قالوا: هي الدم والسواد، والبلغم والصفراء، وتعفُّنُه: خروجُه عن الكيفية فقط لاهي والكمية.

يعني: دليل المرض.

(فتعفُّن الأخلاط عِلَّةٌ لثبوت الحُمى لزيدٍ في الذهن والخارج معاً).

إذاً: لمَ ثبتت له الحمى؟ لتعفُّن الأخلاط، هذا عِلَّةٌ له في الذهن وفي الخارج، في الذهن كذلك وفي الخارج كذلك، لكنْ التلازم في الذهن هنا ليس من جهة العقل، لا تلازم بينهما، وإنما عادة أو تجرِبة أو نحو ذلك، وأما في الخارج فهو ثابتٌ.

قال هنا: (وسُمّي لِمِّيّاً لإفادته اللِمِّيّة) أي: العِلَّة (إذ يجاب بها السؤال: بلِمَ كان كذا) نسبة لـ (لِم) التي أصلها اللام الجارّة وما الاستفهامية، ومعلوم أن ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر حُذِفت الألف ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)) [النبأ:1] أصلُها (عمَّا) بالألف، لكن القاعدة هنا إذا دخل حرف الجر على ما الاستفهامية حُذِفت ألفها ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)) [النبأ:1]، ليس عندنا التقاء ساكنين حتى تُحذف الألف، وإنما حُذفت هكذا قاعدة، والحُجة للسماع، الاستقراء دل على ذلك.

إذاً: لِم .. السؤال عنها بلِم: لِم كان كذا؟ فيكون الجواب: لتعفُّن الأخلاط.

(والثاني) أي: القسم الثاني من البرهان.

(إِنِّيٌ) نسبةً إلى إِنَّ وسيأتي لأنه.

(وهو ما كان الحد الوسط عِلَّةً لذلك في الذهن لا في الخارج) كسابقه (كقولنا: زيدٌ محمومٌ، وكل محمومٍ متعفِّن الأخلاط) ليس تلازم بينهما، ليس كالسابق .. كل متعفّن الأخلاط هنا محموم فَجَعلة عِلَّةً، هنا عِلَّة لكنه ليس فيه تلازم، ولذلك اكتفينا به في الذهن دون الخارج.

قال: (وكل محمومٍ متعفُّن الأخلاط فزيدٌ متعفّن الأخلاط، فالحُمَّى عِلَّةٌ لثبوت تعفُّن الأخلاط) وفيما سبق قال: تعفّن الأخلاط عِلَّة للحمى، فرْق بين التركيبين.

(فالحمى عِلَّةٌ لثبوت تعفّن الأخلاط لزيدٍ في الذهن وليست عِلَّة له في الخارج، بل الأمر بالعكس؛ إذ التعفّن عِلَّةٌ للحمى) فرْق بينهما كما مر.

(وسُمّي إنّيّاً لاقتصاره على إنّيّة الحكم أي: ثبوتِه دون لِمِّيّته من قولهم: إنَّ الأمر كذا، فهو منسوبٌ لـ"إنَّ"، والأول لـ"لِم").

قال رحمه الله تعالى: (وَالْيَقِينِيَّاتُ أَقْسَامٌ).

هذا شروعٌ بعدما عرَّف لنا البرهان أنه: القياس المؤلَّف من مقدمات يقينية، وقسَّمه إلى لِمِّيّ وإنّي، شرع في ذكر المواد التي تتركب منها الأقيسة.

(بعد الفراغ من الكلام على الصورة التي هي شرائط الإنتاج.

فإنه كما يجب على المنطقي النظر في صورة الأقيسة، كذلك يجب عليه النظر في موادها؛ حتى يُمكنَه الاحتراز عن الخطأ في الفكر من جهة الصورة والمادة).

يعني: الخطأ إما من جهة الصورة يعني: الهيئة .. التأليف.

وإما في المادة: التركيب يعني: اللفظ نفسه.

والقياس المؤلَّف من هذه الست يسمى: برهاناً، واعترض السعد حصْرهم اليقينيات في الست بأنَّ اليقينيات قد تكون مكتسَبة بالبرهان.

وأجاب: بأن المقصود اليقينيات الأُوَل تنحصر في الست، وأما المكتسَبات فهي ليست أُوَل بل ثواني.

إذاً: (وَالْيَقِينِيَّاتُ أَقْسَامٌ) (ستةٌ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015