بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ:
وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى: (ولما فرغ مما يتوقف عليه القياس من القضايا، وما يعرِض لها من تناقضٍ وغيره، أَخذَ في بيان القياس وهو المقصود) يعني: للمنطقي، وهو المقصود الأهم.
(وغيرِه) لا يُعنى به إلا القياس المستوي، وهو عامٌ مرادٌ به خاص.
(أخذ في بيان القياس وهو المقصود) أي: للمنطقي.
(الأهم) يعني: مقدَّمٌ على غيره.
(لأنَّ المقصود بالذات من العلوم المدونة الأحكامُ) هذا المقصود، التصورات هذه وسيلة وليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود هو التصديقات، التصديقات إنما هي الأحكام وهي التي تؤخذ من هذا الباب.
(لأنَّ المقصود بالذات من العلوم المدونة الأحكامُ التي إدراكُها يسمى تصديقاً، والمعاني التي إدراكُها يسمى تصوراً لا تُطلب في العلوم المدونة لذاتها، بل لكونها وسائط ووسائل للتصديقات، والإدراكات التصديقية أشرفُ منها) ولا شك هي العلوم.
(وأعلى) يعني: منها.
(وغرضُ المنطقي: بيان الطريق الموصل إلى المجهول التصوري، والطريق الموصل إلى المجهول التصديقي.
والقياس: هو الموصل إلى التصديق. فهو أشرف الطريقين وإنما لم يُقدَّم في الوضع لتقدُّم التصور عليه في الطبع؛ إذ الحكم على المجهول أو به محال).
حينئذٍ إذا قيل بأنه أشرف وأنه أعلى، لماذا لم يقدمه على التصور؟
نقول: لا يمكن، التصور جزءٌ، كل تصديقٍ يتضمن تصورات ومن غير عكس.
إذاً: لا بد أن يكون مقدَّماً عليه بالطبع، فيقدَّم عليه بالوضع؛ إذْ الحكمُ على المجهول غير المتصوَّر هذا محال.
كذلك الحكم بالمجهول أو على المجهول، به وعليه. نقول: هذا يُعتبر محالاً.
قال: (لأنه العمدة في تحصيل المطالب التصديقية لأنه القياس).
(العمدة) أي: المعوَّل عليه المُعتدُّ به دون الاستقراء والتمثيل، فقال رحمه الله تعالى: (الْقِياسُ) أي: هذا باب القياس. هذه ترجمة لهذا الباب وهو خاتمة هذه الأبواب؛ لأن المباحث خمسة كما مر، خاتمتُها الخامس هو القياس.
قال: (وهو لغة: تقدير شيءٍ على مثالِ آخر. بإضافة مثال إلى آخر) ليس على مثالٍ آخر، على مثالِ آخر بالإضافة: مضاف ومضاف إليه.
(بإضافة مثالِ إلى آخر: على مثالِ شيءٍ آخرَ، كتقدير الثوب على الآلة المسماة بالذراع، فإن الآلة المذكورة مثالٌ لما في الذهن المقدَّر.
فالذراع حقيقةً هو الذي في الذهن، والآلة المحسوسة مثال) كالميزان الذي يُقدَّر به الأشياء.
ولذلك سُمي كذلك القياس بالميزان.
قال المحشي هنا: (على مثالِ آخر أي: يعرِضه على مثال شيءٍ آخر، فمثال مضاف لآخر كتقدير الثوب بعرْضه على الآلة المسماة ذراعاً التي هي مثالٌ للذراع الحقيقي المستحضَر في الذهن).
(واصطلاحاً) أي: هنا عند المناطقة، ليس مطلقاً فيشمل القياس عند الأصوليين.