والتعبير عن الموضوع بجيم ليس معناه التعبير عن مفهوم الموضوع بجيم، بل عن فردٍ مبهمٍ، وكذا التعبير عن المحمول بباء. فيسري الحُكم إلى هذه الصورة في جميع القضايا من غير اختصاصٍ بمادة) فلا يقال: كل جيم باء المراد به: كل إنسان حيوان بذات اللفظ والتركيب، فما عداه لا يصدُق عليه لا، يصدق على كل مؤلَّفٍ من موضوعٍ ومحمول، يصح أن يقال: كل جيم باء .. إلى آخره.
(بناءً على أن الناظر إذا وجدها محتمِلة لكل قضية، ولم توجد قضيةٌ أَولى بالحكم من أخرى، علم أنه لا اختصاص له بواحدة منها، وكأنهم توسَّلوا في هذا بحروف الهجاء لمناسبة أنها موضوعة لأن يُتوسل بها إلى أداء جميع المعاني، فناسب أن يؤدَّى ببعضٍ منها جميع).
يعني: الحروف كلها تؤدي جميع المعاني، لكن أنت ركِّب ما شئت، قالوا: كذلك جيم باء، حينئذٍ يصدُق تحته كلُّ فردٍ من أفراد الموضوع والمحمول، فلا يختص.
كما أن الحروف الهجائية لا تختص بمعنًى من المعاني، هذا المراد. على كلٍ لا يُعلَّل.
قال: (جرت عادة القوم بأنهم يعبِّرون عن الموضوع بجيم، وعن المحمول بباء، فيقولون: كل جيم باء دون: كل إنسان حيوان مثلاً) كل جيم باء هكذا التعبير.
(فكأنهم قالوا: كل موضوعٍ محمول) لأن الباء كنايةٌ عن المحمول، وجيم كناية عن الموضوع.
إذاً: كل جيم باء، إذاً: كل موضوعٍ محمول، هكذا قيل.
(كأنهم قالوا: كل موضوعٍ محمول، وهذه قضية مخصوصة كاذِبة) لأنه ليس كل موضوع محمول.
(لا سيما إذا امتنع حملُ الجزئي الحقيقي) كل موضوعٍ محمول، إذاً: يكون الموضوع محمولاً، ومر معنا أن الموضوع قد يكون جزئياً، والجزئي الحقيقي لا يقع محمولاً. إذاً: هذه كاذبة.
(لا سيما إذا امتنع حملُ الجزئي الحقيقي فينبغي أن يُحمل الكلام على أنه كأنهم قالوا: كل إنسان حيوان) .. إلى آخر الأحكام.
(إلا أنه لما جمعَ جميع الأحكام في هذه العبارة اختلت العبارة) صار فيها شيءٌ من الاختلال قاله العصام.
قال العطار: (قولُه: هذه قضية مخصوصة أي: خاصة من بين القضايا وفردٌ من أفرادها.
وقولُه: كاذبة وجه ذلك أنه ليس كل موضوعٍ محمولاً، بل بعض الموضوعات لم يُحمل على شيء) كالجزئيات، بناءً على أن المشهور أن المحمول لا يكون إلا كُلِّياً.
(وقوله: لا سيما إذا امتنع حمل الجزئي الحقيقي فإنه حينئذٍ يظهر كذِب هذه القضية غاية الظهور؛ إذ كثيراً ما يكون الموضوع جزئياً حقيقياً فلا يصلح لأن يكون محمولاً أصلاً) لما مر.
قال: (فيقولون: كل جيم باء دون: كلِّ إنسانٍ حيوانٍ مثلاً) أي: دون أن يقولوا هذا القول.
يعني: (كل إنسانٍ حيوان) دون أن يقولوا هذا القول (كل إنسان حيوان) يقولون: كل جيم باء، (مثلاً) هذا راجعٌ إلى أي شيء؟ (فمثلاً من جملة المقول لا أنه راجعٌ للقول).
يعني: كل إنسانٍ حيوان، وكل إنسانٍ كاتب.
(مثلاً) يعني: وغيرَه، كأنه قال: إلى آخره؛ لأن كل جيم باء كناية عن أفرادٍ مبهمَة، فيصدُق على هذا كما تقول: أعتق عبداً، يصدُق على زيدٌ أنه عبد، ويصدُق على عمرو أنه عبد، ويصدُق .. إلى آخره، فهو مطلق.
فعمومُه شمولي أو بدلي؟ بدلي، بمعنى أنه يصدُق على الجميع، لكن إن صدَق مرة على شخصٍ خرج البقية. هذا مِثلُه.