لكن الشاهد هنا في: قائم.
إذاً: المبتدأ قد يكون محكوماً به، لكن هذا بضوابطه ليس كل مبتدأ، الأصل في المبتدأ هو ما خلَى عن الشروط هذا الأصل فيه، والكلام فيه الأصل، وأما هذا فهو نوعٌ خارجٌ. ولذلك قال: (وَقَدْ * يَجُوْزُ نَحْوُ فَائِزٌ أولُو الرَّشَدْ) يعني: وقع فيه نزاع، وإن كان هو مرجوح والصواب مذهب البصريين، لكن وقع فيه نزاع.
قال هنا: (المحكومُ عليه أي: سواءٌ جاز تأخيرُه كالمبتدأ الذي لم يتضمن معنى الاستفهام نحو: قائمٌ زيدٌ.
أو وجب كما في الفاعل .. ) إلى آخر كلامه.
قال هنا: (وبالثاني المحكوم به، وإن ذُكر أولاً نحو: عندي درهم) عندي هذا المحكوم به وهو المحمول، ذُكر أولاً.
إذاً: العبرة هنا بالتقدم والتأخير الطبيعي، هذا الأصل موافقٌ للطبع، فإن تقدّم كلٌ منهما أو تأخر فهو خلاف الأصل، وتقدُّمه أو تأخره لا ينفي الوصف الأصلي عنه، فالموضوع يبقى موضوعاً وإن تأخر، والمحمول يبقى محمولاً وإن تقدم. على الأصل.
قال: (وَالجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنَ الشَّرْطِيَّةِ يُسَمَّى مُقَدَّمًا) (لتقدُّمِه لفظاً أو حُكماً).
(لتقدُّمه لفظاً) إذا كان الشرط مقدماً على الجزاء.
(والثاني) الذي هو حُكماً (إذا كان مؤخراً؛ بناءً على ما ذهب إليه المبرِّد والكوفيون) أنه يجوز.
(والبصريون يمنعون تقدُّم الجزاء على الشرط فنحو: النهار موجودٌ إذا كانت الشمس طالعة) يمنعون هذا البصريون.
النهار موجودٌ إذا كانت الشمس طالعةً، طبعاً ما بعد "إذا" لا يعمل فيما قبله، حينئذٍ إذا كانت الشمس طالعةً هذا الشرط، أين جوابه؟ محذوف.
والنهار موجودٌ السابق هذا دليل الجواب، ليس هو عينه، بخلاف مذهب الكوفيين والمبرِّد على أنه المتقدم هو الجواب، فلا نحتاج إلى التقدير، والمناطقة على هذا؛ لأنهم ينظرون إلى المعنى، وإذا كان كذلك لا إشكال عندهم.
ولذلك قال هنا: (وَالجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنَ الشَّرْطِيَّةِ يُسَمَّى مُقَدَّمًا) (لتقدمه لفظاً أو حكماً.
فالأول) يعني: لفظاً.
(إذا كان الشرط مقدماً على الجزاء، والثاني: إذا كان مؤخَّراً بناءً على ما ذهب إليه المبرِّد والكوفيون.
والبصريون يمنعون تقدم الجزاء على الشرط، فنحو: النهار موجودٌ إذا كانت الشمس طالعة). الجزاء محذوف على مذهب البصريين فيقدَّر، ثَم دليلٌ يدل عليه.
والذي تقدم على الشرط -النهار موجود- دليلُه عندهم، وعلى هذا فهو مقدمٌ لفظاً دائماً، وهذا عند النحاة.
ومقصود المناطقة المعاني فلا حاجة إلى تقدير شيءٍ يتم المعنى بدونه.
إذاً: وافق المناطقة هنا ما عليه المبرِّد والكوفيون، هذا المراد: أن المتقدِّم يُعتبر هو الجواب، ولا نحتاج إلى تقدير.
لكن هذا ليس بحث المناطقة وإنما يُرجع إلى النحاة، على كلٍ المراد هنا ما ذُكر.
قال: (وَالثَّانِي تَاليًا) (لتلوِّه الأول أي: تبعِيَّتِه له).
قال هنا: (لتقدمه لفظاً وحكماً) فيه إشارة إلى جواز تقديم التالي على المقدَّم عند المنْطِقي. هذا طيب.
وإن امتنع عند البصري؛ لأن نظر المنْطِقي إلى المعنى والتقديم لا يُفسده، ونظر البصري إلى اللفظ .. -ما فيه مقابلة بين المناطقة والبصريين- والتقديم يبطل الصدارة عندهم، لكن هذا فن وهذا فن، وتناولوا المسألة فكانت مشترَكة.