لأنه يقول: ما الإنسان؟ حيوانٌ ناطق.
بالنسبة للسامع ما الذي يجهله من هذا التركيب؟
أنا سألتكم: ما الإنسان؟
قلتم: حيوانٌ ناطق.
هل أنا أجهل حيوان ناطق؟ لا. وإلا ما حصل التعريف، أنت تأتي بكلمات معلومة عندي أنا السائل.
إذاً: الذي وقع عنه السؤال وقع جهلي به هو معنى مفردة الإنسان، فسألتُ: ما الإنسان؟ حينئذٍ تأتي بالتعريف أنت فتقول: حيوانٌ ناطق. إذاً: لما قلت: حيوان ناطق حصل عندي انكشاف بسبب هذه المعلومات التي هي مستقرة عندي، وهذا الذي يُعنى به، ولذلك قال: (فالمعرِّف) حيوانٌ ناطق (إذا ذُكر للسامع كان مقصوداً منه: أن هذه الأجزاء) حيوان ناطق (اشتمل عليها المعرِّف، وكانت معلومة عند السامع) لا بد أن تكون معلومة، وإلا لا يُرفع المجهول بالمجهول. الإنسان مجهولٌ عندي فتأتي بلفظٍ مجهول حيوان وأنا لا أدري معنى حيوان، وحينئذٍ يلزم أسألك؟
ما الإنسان؟ حيوانٌ ناطق، طيب ما الحيوان الناطق؟ فتأتي بكلمات، إذاً: مجهولة عندي ونبدأ إلى الصباح، لا بد أن يكون اللفظ الذي يقع جواباً في المعرِّفات أن يكون معلوماً عند السامع فيحصل به الانكشاف.
ولذلك قال العطار: (فالمعرِّف إذا ذُكر للسامع كان مقصوداً منه: أن هذه الأجزاء) حيوان ناطق مثلاً (اشتمل عليها المعرِّف، وكانت معلومة عند السامع تُذكَر لتخطرَ بباله) لأنها ستُحرِّك ما عنده، لا بد أن يصل بالمعلوم عنده إلى المجهول فتنتهي المسألة.
قال: (ويؤتى بها محمولة على المعرَّف).
الإنسان حيوانٌ ناطق، فجئت بالحيوان الناطق، المعلوم عند السامع جعلتَه محمولاً على المعرَّف الذي هو الإنسان، لا بد من هذه النسبة، وإلا ما يحصل عند السامع الانتباه إلى أن ثم ارتباط بين المعرِّف والمعرَّف.
قال: (ويؤتى بها محمولةً على المعرَّف فيحصل له بسبب ذلك ما كان مجهولاً عنده، وهو كونُ تلك المعقولات التي كانت معلومةً عنده، وأُخطِرت الآن بباله جملتُها هي: حقيقةُ المعرَّف).
فيعرف معنى الحيوان ويعرف معنى الناطق، وقد يُدرِك النسبة بينهما، لكن لا يدري أن هذه حقيقة الإنسان، فالمعرِّف يجعل عنده شِبْه انتقال وترتيب فقط، وإلا لا يأتي بشيءٍ جديد خارج عنه إلا إذا احتاج إلى تفسير لفظٍ فحينئذٍ يكون خارجاً عن الحد.
وإلا إذا قال له: حيوانٌ ناطق كأنه قال له: انتبه! كلمة حيوان معلومة عندك، وكون ناطق معلومة عندك، لكن أنت اربط بينهما واجعل بينهما نسبة، واجعلها محمولاً "يعني: محكوماً به" على الذي عندك –المجهول- فينكشف الحال، وهذا المراد بالتعريف.
(فيحصل له بسبب ذلك ما كان مجهولاً عنده، وهو كون تلك المعقولات التي كانت معلومة عنده، وأُخطرت الآن بباله جملتُها هي: حقيقة المعرَّف التي كانت مجهولة عنده، هذا هو معنى كلامه) هكذا قال العطار وهو واضحٌ بيّن.
قال: (ومعرِّف الشيء ما تستلزم معرفتُه معرفتَه) معرفتُه أي: المعرِّف بالكسر، معرفتَه أي: الشيء المعرَّف بالفتح.
قال: (فلفظ ما جنس واقعٌ على قولٍ أو أمرٍ).
وقوله: (تستلزم .. إلى آخره، فصلٌ لتحقيق ماهيّة المعرِّف وإخراج غيره).
بقي إشكال: "ما تستلزم معرفتُه معرفتَه" هل هذا الحد يشمل الحد الناقص والرسم بنوعيه أو لا؟