بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ:
فنشرُع في هذه الليلة: ليلة الأحد العاشر من شهر ربيع الأول من عام 1432هـ في شرح كتابٍ يتعلق بعلم المنطق.
وعلم المنطق يُعدُّ عند بعض أهل العلم من علوم الآلة، وإن لم يكن آلةً مباشرة للكتاب والسنة، كما هو الشأن في علم اللغة العربية أو علم أصول الفقه أنه علمٌ يُعتبرا علمي آلة، لكنهما مباشرة يعني: يعتمد فهم الكتاب والسنة على علوم اللغة مباشرة، ويعتمد الاستنباط من الكتاب والسنة على أصول الفقه مباشرة.
وأما فن المنطق كما هو معلوم فيه شيءٌ من الخلاف من حيث الجواز وعدمُه، من حيث الإقبال عليه وتركُه. إلا أنه لو لم يُترجم -كما سيأتي في كلام الشيخ الأمين رحمه الله تعالى- لكان المسلمون في غُنيةٍ عنه، ولكن احتاجه أهل العلم في بيان بعض المصطلحات التي دخلت علوم الآلة أو علوم الشريعة.
وكذلك فيما اعتمد عليه المخالفون، وهذا أهم من الأول؛ لأن المخالفين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتردية وغيرهم الذين خالفوا أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بذات الخالق جل وعلا، إنما اعتمدوا على عقولهم واحتجوا بما يرونه مناسباً من هذه القواعد، لذلك المنطق يُعتبر قواعد تفكير إن صح التعبير، أو قواعد الاستدلال الذي يكون مناطه العقل، ليس الاستدلال الذي يكون مناطُه الشرع إنما الاستدلال العقلي.
حينئذٍ لما اعتمد المخالفون على هذه الاستدلالات أو هذه القواعد المنطقية تعيَّن في الرد عليهم أن يكون من يرد عليهم من أهل العلم متشبعاً بعلم الشريعة، وأن يكون كذلك مُلماً بأدلتهم؛ لأن من كان معتمداً على دليل وهذا الدليل ليس هو دليل الكتاب والسنة. يعني: لم يعتمد على الوحيين، فحينئذٍ من لم يكن ذا علمٍ بما سوى الوحيين قد يضعف في الرد عليه، فلا بد من معرفة ما استدل به المخالفون من أجل إبطال حُجج هؤلاء المخالفين فتعيّن حينئذٍ تلمُّس هذا العلم، وخاصة طلبة العلم الذين يجدون من أنفسهم مكانة للعلم، وأنه قد يبلغ مبلغاً يفيدون فيه الأمة مستقبلاً بإذن الله تعالى في صون الشريعة وفي الذب عنها.
ولذلك الشيخ الأمين رحمه الله تعالى يعتبر من علماء أهل السنة والجماعة؛ لأن تزكية هذا الفن إن جاءت من المخالف قد يكون فيها شيءٌ من الشبهة، لكن الشيخ الأمين رحمه الله تعالى كما هو معلوم من أهل السنة والجماعة، بل هو إمامٌ في علوم الشريعة، وإمامٌ في علوم الآلة كذلك، ولا إشكال فيه ولا تردد في هذا الحكم عليه رحمه الله تعالى، وقد صنَّف كتاباً أسماه آداب البحث والمناظرة، وقدَّم له مقدمة، هذه المقدمة مقدمة منطقية اشتملت على الخالص من هذا العلم كما سيأتي في كلامه، ونذكره رحمه الله تعالى (يعني: كلامه) من أجل معرفة ما اشتمل عليه.