ما لم يوجد له فردٌ. قلنا: هذا قسمان؛ لأن عدم وجود الفرد في الخارج، قلنا الأفراد البحث السابق بحث ذهني، متى نُثبِت أن هذا اللفظ كُلّي؟ عرفنا الضابط السابق.
الآن باعتبار وجودِه في الخارج، طبعاً الكلِّي لا يوجد هكذا، وإنما يوجد في ضمن أفرادِه. نقول مثلاً: الإنسان، الإنسان حيوانٌ ناطق. هذا حيوان ناطق المعنى أنت تدركه، اللفظ إنسان والمعنى حيوان ناطق.
فحينئذٍ حيوان ناطق أين يوجد؟ في الذهن، لا وجود له في الخارج، إذا أردت إثباته فتقول: عندنا حيوانٌ ناطق لا زيد ولا عمرو ولا بكر.
يمكن يشار إليه تقول: هذا حيوان ناطق وليس بزيد ولا عمرو؟ لا. وإنما يوجد في ضمن أفراده، فحينئذٍ يتحقق وصفُ الإنسان في ضمن يعني: يوجد في أفراده، وأما هو منعزل منفك عن أفراده لا وجود له في الخارج البتة، وإنما وجودُه وجود ذهني.
ونبّهنا فيما سبق: أن المراد بالوجود هنا الملاحظة، فليس المراد بالذهن مفتوح غرفة وفيها شيء اسمه حيوان ناطق لا، إنما المراد الملاحظة "ملاحظة المعاني" وحقيقتُها على وجهها الله أعلم بها، قد يكون العلم وصل إلى شيءٍ ما لا ندري، لكن هذا الموجود وهذا الذي يشعر به الإنسان.
إذاً: ما لم يوجد له فرد. قلنا هذا نوعان.
ما استحال وجودُ فرد مثل: إله.
ليس له فرد، عدم وجود الفرد إما للامتناع، إما للجواز مع عدم الوجود. هذان حالان فقط، هو تحته قسمان، هذه الثلاثة كل واحد تحتها قسمان، أنا بدأت بالأخير.
ما لا فرد له .. ليس له فرد وإنما وجوده في الذهن، هذا قد يكون المانع من وجود الفرد استحالة وجوده كالجمع بين الضدين، قلنا: هذا يستحيل وجوده، لا يمكن أن يوجد.
الجمع بين الضدين قلنا: هذا معنى كُلّي وجوده في الذهن في الخارج لا يوجد، قائم جالس، صاعد نازل لا، نائم مستيقظ في وقت واحد!
نقول: هذان ضدان لا يجتمعان، إذاً: لا وجود له، لماذا؟ للامتناع.
النوع الثاني: لما لا فرد له في الخارج، أنه يجوز لكن ما وُجد، وما وجد هنا نضبطه بما أراده الله تعالى مثل بحر من زئبق، بحر من سكر أو جبل من ياقوت .. إلى آخره.
نقول: هذه ما وُجدت في الخارج، هل العقل يمنع؟ العقل لا يمنع، بل يتصور وجود بحار وأنهار وعيون من لبنٍ؛ بدليل وجودها في الجنة.
فعدم وجودها في الدنيا في الخارج نقول: هذا ليس لكونها مستحيلة، وإنما لعدم تعلُّق مشيئة الباري جل وعلا وإرادته الكونية بها؛ إذ لو أرادها لكانت، فلمَّا لم تكن قلنا: ما أرادها .. لو أرادها لكانت .. لوُجِدتْ، فلما لم تكن حينئذٍ استدللنا بعدم وجودها بأنه ما أرادها الله عز وجل؛ لأن الإرادة الكونية لا تتخلف ((إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) [النحل:40] الفاء للتعقيب.
هذا النوع الأول ينقسم إلى قسمين.
النوع الثاني: ما وُجد له أفراد، قلنا: هذا قسمان: ما تناهت أفرادُه، ما لا تتناهى أفراده.
الأول كالإنسان، تناهت أفرادُه يعني: محصور .. يمكن عدُّه، يمكن نهايتُه، له وقتٌ ينتهي .. إلى آخره، ما لا يتناهى كنِعَم الله عز وجل.
الثالث: ما وُجد له فردٌ في الخارج، قلنا: هذا نوعان: ما وُجد له فرد ولا يوجد غيرُه لامتناعِه، ومثّلوا له بالإله الحق وعرفنا ما فيه.