أي أن عطايا بلا عدة. والإنجاز والمطل: عرضان أو خاصتان للوعد. فوجودهما بوجوده، فإذا ارتفع الوعد ارتفعت خاصتاه اللتان هما الإنجاز والمطل، وكذلك كل خاص ومخوص، إذا انتفى الخاصة، كالضحك وقبول العلم والأدب اللذين هما خاصتا نو الانسان. فاذا انتفى الانسان انتفت هاتان الخاصتان.
وإنما مثلتً الوعد بالانسان، وان كان الوعد عرضا، والانسان جوهرا تقريباً وتثبيتاً. فلا تظن بنا غير ذلك، ولو وثقنابفهم بنى الزمان، لغنينا عن إطالة البيان.
) كفى ثُعلاً فخْراً بأنك منهمُ ... ودَهْرٌ لأن أمْسَيْتَ من أهله أهْلُ (
أي ودهرٌ بكونك من أهله. أي دهر مستحق لذلك. وَرَفَعَه بفعل مُضمر أي وليفخر دَهْرٌ، وحسن هذا الإضمار، لأن قوله:) كفى فخراً بأنك منهمُ (في قوة قوله: لتفتخر ثُعلٌ، فحمل الثاني على المعنى، فكأنه قال: لتفخر ثُعل وليفخر دهر، والحمل على المعنى كثير، فأهل: صفة لدهر، وأراد كفى الفخرُ ثُعلاً فخراً بكونك منهم.
وله أيضاً:
) أبرحْتَ يامَرَضَ الجُفُون بِمُمْرضٍ ... مَرضَ الطبيبُ له وعيدَ العُوَّدُ (
أبْرحْتَ: بالغت في تعذيبه، وتجاوزت النهاية، ومنه قولهم: أبرحْتَ فارسا: أي بلغت الغاية، وتجاوزت النهاية. ومرض الجفون: فتورها. والممرض: يعنى نفسه لأن مرض الجفن أمرضه، فيقول: بالغت يامرض الجفن بإمراض مريض، مَرِض الطبيب له: إما عجزا عن شفائه. ومرض العُوَّدُ لشدة ما رأوا به فِعيدوا.
ولابن جنى في هذا البيت كلام أجله عن أن أغزوه إليه.
وقوله:) مرض الطبيب له (، فله: في موضع الصفة للمُمرض، ومعنى له: أي) من (أجله. وقد يكون في موضع المفعول كقولك: أنا عليم بك ووكيل عليك.
) فله بنُو عبد العزيز بنِ الرِّضا ... ولكلِّ رَكبٍ عِيْسُهم والفَدْفَدُ (
يريد أنه قصد بنى عبد العزيز ليشفوه مما به، ولم يأخذ سيرة الذين يأخذون بقولة امرئ القيس:
وإنك لم تقطع لُبانة عاشق
لأنهم يرون البعُد من المحبوب مما يُريح، فترك هو هذا، ونحا إلى بني عبد العزيز، يذهب إلى أن شُغل بني عبد العزيز هؤلاء أن يُريحوا من هذا المُمرض، وشُغْل كل ركب أن يركبوا العيِيْس، ويمشوا في القفار.
وبعض الناس يقول: إن العِيْس لبني عبد العزيز، والأحسن ما بدأْنا به.
) نِقَمٌ عَلَى نِقَمِ الزَّمانِ يَصُبُّها ... نَعِم عَلَى النِّعَمِ التي لا تُجحَدُ (
أي نعمه البوادي العود: تدفع نقم الزمان، فتغنى من فقر، وتفُك من أسرأ والأسر من نقم الزمان، فهو يصب هذه النعم فينتقم بها من نِقم الزمان، لن جوده وغياثه إذا أزالا الفقر والأسر ونحوهما من النقم، فقد انتقما منها، فهن إذن نقم على الزمانية، ونعم على الأسير والفقير ونحوهما ممن أصابه الدهر ينقمه.
) مَن في الأنامِ من الكرام ولا تقُل ... من فيكَ شَأمُ سوى شُجاعِ يُقصدُ (
الشأم، مذكر، وتقدير البيت: من في الأنام من الكرام سوى شجاع يُقصد يادنيا، ولا تقل) من فيك ياشأمُ (، فخص بذلك الشأم وحده، فإنه أوحدُ الدنيا جميعاً. لا أوحد الشأم وحده.
) أرضٌ لها شرفٌ سواهَا مِثْلُها ... لو كان غيُرك في سواها يُوجدُ (
أي منبجُ هذه ارض شريفةٌ، وغيرها مثلها، لولا كونك بها، فإنما شرفت على البلاد بك لابذاتها.
) بَقِيتْ جُموعُهُم كأنك كُلها ... وبقيتَ بَينَهُم كأنك مُفْرَدُ (
أي أغنيت غناء الكُل، فكأنك كلهم كقوله:) إلا رأيتُ العباد في رجل (.
وبقيت بينهم كأنك مُفرد، أي لم يكن فيهم من يجوز أن يُعد ثانياً لك، وإن كان حولك منهم جماعة.
) ما شَارَكَتْه مَنِيةٌ في مُهجةٍ ... إلا لِشفْرَته عَلَى يدها يَدُ (
العرب تقول: لك على فلان اليدُ البيضاء؛ أي المزية الظاهرة.
فمعنى البيت: إن لشفرته الأثر الأظهر، فإما أن يكون؛ لأن تأثير السيف أظهر من تأثير المنية، لن تاثير السيف جُسماني عليه يقع الحسر، وتأثير المنية نفساني، لا يقع عليه حس.
وقديجوز أن تكون للشفرة اليد على المنية، من جهة أن المنية معلولة للسيف، والسيف علة لها. والعلة أشرف من المعلول، فوجبت المزية للسيف بذلك.