ـــــــــــــــــــــــــــــ

بأحد سواه. وقيل: المحاسب يحاسب الخلائق يوم القيام، فعيل بمعنى مفاعل، كالجليس والنديم، فمرجعه بالمعنى الأول إلي الفعل، وبالمعنى الثانى إليه أن جعل المحاسبة عبارة عن المكافأة، وإلي القول إن أريد بها السؤال والمعاتبة، وتعداد ما عملوا من الحسنات والسيئات، وكأنه جمع بين المعنيين من قال: الحسيب من يعد عليك أنفاسك، ويصرف بفضله عنك بأسك. وقيل: الشريف، والحسب الشرف.

وحظ العبد منه: أن يتسبب لكفاية حاجات المحتاجين، وسد خلتهم، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب، ويشرف نفسه بالمعرفة والطاعة. قال الشيخ أبو القاسم: كفاية الله للعبد أن يكفيه جميع أحواله وأشغاله، وأجل الكفايات أن لا يعطيه إرادة الشىء، فإن سلامته عن إرادة الأشياء حتى لا يريد شيئًا أتم من قضاء الحاجة، وتحقيق المأمول. ومن علم أن الله تعالي كافية لا يستوحش من إعراض الخلق ثقة بأن الذي قسم له لا يفوته وإن أعرضوا، وأن الذي لم يقسم لا يصل إليه وإن أقبلوا عليه، وقيل في معناه: إن كان الله معك، فمن تخاف؟ وإن كان الله عليك، فمن ترجو؟ ثم إن العبد إذا اكتفي بحسن توليته تعالي لأحواله فعن قريب يرضيه بما يختار له مولاه، فعند ذلك يؤثر العدم علي الوجود، والفقر علي الغنى، ويستروح إلي عدم الأسباب. وقيل: إن فتحًا الموصلي رجع ليلة إلي بيته فلم يجد عشاء، ولا سراجًا، ولا حطبًا، فأخذ يحمد الله تعالي ويتضرع إليه، ويقول: إلهي! لأي سبب، وبأي وسيلة واستحقاق عاملتنى بما تعامل به أولياءك!.

((الجليل)) المنعوت بنعوت الجلال، وهي من الصفات التنزيهية، كالقدوس والغنى. قال الإمام الرازى: الفرق بينه وبين الكبير العظيم: أن الكبير اسم الكامل في الذات، والجليل اسم الكامل في الصفات، والعظيم اسم الكامل فيهما. وحظ العبد منه: أن ينزه نفسه عن العقائد الزائغة، والخيالات الفارغة، والأخلاق الذميمة، والأفعال الدنية*.

قال الشيخ أبو القاسم: إن الله تعالي جعل يقلب قلوب العابدين بين شهود ثوابه وأفضاله، وشهود عذابه وأنكاله، فإذا فكروا في إفضاله ازداد رغبتهم، وإذا فكروا في عذابه وإنكاله ازداد رهبتهم، وأنه جعل تنزه أسرار العارفين في شهود جلاله وجماله، إذا كوشفوا بنعت الجلال، فأحوالهم طمس في طمس، وإذا كوشفوا بوصف الجمال، فأحوالهم أنس في أنس، فكشف الجلال يوجب محوًا وغيبة، وكشف الجمال يوجب صحوًا وقربة، فالعارفون كاشفهم بجلاله، فعابوا، والمحبون كاشفهم بجماله، فطابوا، والحقائق إذا اصطلمت القلوب، لا تبقي ولا تذر، والمعإني إذا استولت علي الأسرار، فلا عين ولا أثر. وإن للعلوم علي القلوب مطالبات، وللحقائق سلطان يغلب علي أقسام الترتيب، فالحال تؤذن حتى ليس الأقرب، والحقائق تبرز نعت الصمدية حتى لا قرب، وأنشد:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015