وهذا موقف آخر له صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فـ ربيعة بن كعب الأسلمي أحد الذين خدموا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يصلح للنبي عليه الصلاة والسلام وضوءه، فأراد النبي أن يكافئه فقال له: (يا ربيعة! سلني حاجتك، قال: يا رسول الله! أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك يا ربيعة؟! قال: هو ذاك يا رسول الله!)، فتأمل إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لـ ربيعة، وتأمل كيف أن ربيعة وجد في النبي صلى الله عليه وسلم من جميل الصحبة وحسن العشرة ما جعله يتمنى أن يكون رفيقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقال: (أسألك مرافقتك في الجنة)، ومرافقة الأنبياء في الجنة من أعظم المطالب، فالإنسان ينبغي أن تكون همته عالية.
فقد مر صلى الله عليه وسلم على أعرابي في الطريق في إحدى أسفاره فأكرمه الأعرابي، فقال له صلى الله عليه وسلم: (ائتنا أي: تعاهدنا حتى يكافئه على صنيعه، فمرت الأيام بالأعرابي فقدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد النبي أن يكافئه؛ لأنه أكرمه في سفره، فقال: يا أعرابي! سلني حاجتك؟ فقال الأعرابي: أعنز يحلبها أهلي، فتعجب صلى الله عليه وسلم؛ لأن الطلب قليل، وقال: عجز هذا الأعرابي أن يكون كعجوز بني إسرائيل -هنا نوع من التشويق-، فقال الصحابة: يا رسول الله! وما عجوز بني إسرائيل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن موسى لما أراد أن يرحل من أرض مصر أخبره علماء بني إسرائيل أن يوسف أخذ عليهم العهد والميثاق إذا خرجوا من أرض مصر أن يأخذوا جسده معهم، قال: ومن يدلني على قبر يوسف؟ قالوا: لا يعرف قبر يوسف إلا عجوز في بني إسرائيل -أي: امرأة-، فذهبوا إليها، فسألها موسى: أين قبر يوسف؟ قالت: لا أدلك حتى تعطيني سؤلي، قال: وما سؤلك؟ قالت: أن أكون مرافقتك في الجنة)، فهذه المرأة طلبت من موسى عليه الصلاة والسلام أن تكون مرافقته في الجنة.
ومن أعظم ما يجعل المرء رفيقاً للأنبياء في الجنة كثرة الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ ربيعة بن كعب الأسلمي لما قال له: (أسألك أن أكون رفيقك في الجنة، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)، فهذا سبب خاص وسبب عام، وقد ذكره الله في القرآن، وهو عموم طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69].
إذاً يتحرر من هذا كله أن الأصحاب رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم عاشوا في غبطة عيش مع سيد الأنبياء وخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، ونحن لم تكتحل أعيننا برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم لكننا نسأل الله العزيز الجليل أن يمن علينا برفقته وصحبته عليه الصلاة والسلام في جنات عدن في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب، لكن إذا كان هناك إيمان وعمل صالح فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده، وأعان الله على قول معقبين فيه في حلقات ثلاث على قصيدة الدكتور ناصر الزهراني في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
وأختم أنه ليس المقصود من هذه اللقاءات حسن الإلقاء وطريقته، وإنما المقصود أن ننهل جميعاً من معين السنة ورياضها، وأن نتقرب إلى الله جل وعلا بحب رسولنا صلى الله عليه وسلم والتأسي به.
نسأل الله أن يحشرنا جميعاً تحت لوائه، وأن يسقينا من حوضه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.