"وكان -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها" يعني صلاة العشاء؛ لأنه يكون سبباً للنوم عنها، فمن جاء محتاجاً إلى النوم ما يكفيه مدة ساعة أو نصف ساعة، فإما أن يستغرق فتفوته الصلاة أو لا يستغرق فيتكدر ويتنكد في نومه.
"وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها" الحديث بعد صلاة العشاء مكروه، ومع ذلك حصل منه -عليه الصلاة والسلام- أنه سمر يعني سهر للعلم، وترجم عليه الإمام البخاري: باب السمر في العلم، فيستثنى من ذلك ما فيه مصلحة، السهر الذي في مصلحة، تحصيل علم، أو إيناس ضيف مثلاً من باب إكرامه، أو الحديث مع أهله بشيء لا يعوقه عن تحصيل مصالحه الأولى والأخرى، أما إذا كان السمر يترتب عليه الحيلولة دون قيام الليل مثلاً فهذا يكره كراهية شديدة، وإذا كان يحول دون صلاة الصبح فهذا يحرم، السهر الذي يؤدي إلى تفويت صلاة الصبح هذا حرام بلا شك، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، إذا كان الحديث بعدها من باب المباح فهذا تتجه الكراهة إليه، أما إذا كان الحديث في استغلال الوقت في أمر محرم فلا شك في تحريمه، وعامة الناس على مثل هذا، كثير من الناس بل أكثرهم يسهرون في مشاهدة أفلام، ويسهرون على سماع أغاني، وقد يستمعون لغيبة ونميمة، وما أشبه ذلك، وهذا لا شك في تحريمه، وذكر أهل العلم في كراهية الحديث بعدها والسهر أنه ينبغي أن ينام الإنسان خاتماً أعماله بالصلاة، ولذا كان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- إذا تكلم بعد صلاة العشاء صلى ركعتين ثم نام.
"وكان ينفتل" يعني ينصرف "من صلاة الغداة -التي هي الصبح- حين يعرف الرجل جليسه" حين يعرف الرجل جليسه، يعني يتضح له الذي بجواره فيرى ملامح وجهه فيعرفه، وهذا يدل على أنه يبادر بصلاة الصبح، إذا كان ينصرف من الصبح والمسألة مسألة معرفة؛ لأنه لو كانت المسألة وضوح وإسفار ما يحتاج أن يقال مثل هذا الكلام "حين يعرف الرجل جليسه" يعني إذا كان المسألة معرفة واضحة بحيث لا يخفى عليه شيء من تجاعيد وجهه، ما يحتاج إلى أن يقول: "حتى يعرف جليسه".