مسألة تغير الاجتهاد عند العالم مسألة معروفة، مسألة الغفلة والذهول والنسيان أيضاً مما جبل عليه الإنسان، ويبقى أن للحافظ -رحمه الله- مع أنه ثاقب النظر ليس بالإنسان العادي، ثاقب النظر، يعني حينما وثقه في فتح الباري نظراً لروايته هذه التي هي محل الدرس ومحل الشرح، وهي في البخاري حديث لا إشكال فيه، صحيح ما يمكن أن يقدح فيه بوجه من الوجوه، وانتبه إلى قول ابن حبان يخطئ فنفاه في هذا الموضع، لكنه حينما حكم عليه في التقريب هل غفل عن كونه من رواة الصحيح وقد رمز له برمز الصحيح؟ ما غفل عن كونه من رواة الصحيح، لكنه نظر إلى رواية في الصحيح مع رواياته في الدواوين الأخرى؛ لأن الراوي حينما يحكم عليه ينظر فيه إلى الأقوال النظرية من أهل العلم، ما قال فيه أهل العلم؟ أهل العلم يبلغون النقاد يمكن في عشرين قول للنقاد، ينظر في هذه الأقوال النظرية، ويوازن بينها مع ملاحظة مواقع الاستعمال في المرويات، فينظر إلى الراوي وما قيل فيه من كلام نظري، وينظر إليه من ناحية التطبيق العملي في مروياته، فقد يوثقه في موضع؛ لأن الحديث الذي رواه هذا صحيح لا إشكال فيه، بل مخرج في البخاري، وينظر إليه من زاوية أخرى بحيث يلاحظ مواقع الاستعمال من الأئمة في حكمهم على أحاديثه، وفي مقدار ضبطه لهذه الأحاديث وهذه المرويات، فلا بد من تضافر الأمرين، ولذا لا ينفك الحكم على الراوي عن الحكم على المروي والعكس، لا ينفك، وإن كان الأصل في كتب تخريج ودراسة الأسانيد ينظر فيها إلى المرويات، لكن كتب الرجال المجردة ينظر فيها إلى حال الراوي بغض النظر عن المرويات، وهذا كلام أشرنا إليه في عند الكلام على لفظ مقبول عند ابن حجر، مقبول ولين، ابن حجر يقول: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، هذه في مقدمة التقريب، ثم حكم على بعض الرواة بمقبول، وحكم على بعضهم بلين، وكلهم يندرجون في هذه القاعدة، فهل معنى هذا أن من قال فيه: مقبول وجد متابع لجميع مروياته ابن حجر على شان يحكم عليه بأنه مقبول، والذي حكم عليه بأنه لين لم يتابع على جميع مروياته؟ ما يظن هذا، ولذا هذه القاعدة لا بد من إعادة النظر