الآخر، ومثل هذا الأمر الذي يخفى على الناس المسألة من عضل المسائل، وهي من أقرب ما يتصوره الإنسان إلى نفسه قلبه، كما أن روحه التي بين جنبيه لا يعرف كنهها ولا حقيقتها، وكذلك جاء مثل هذا في أقرب وأهم شيء في الإنسان لا يدرك حقيقة الأمر فيه ليعلم يقيناً أنه مهما بلغ من العلم، ومهما بلغ من الفهم، ومهما بلغ من غاية العقل أنه لن يخرج عن قوله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] وهذا القلب المحسوس المضغة فيه العجائب، ويذكر الأطباء المتخصصون في جراحة القلب أمور لا تخطر على بال، تنبغي والأمر معلق بالقلب إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، ينبغي بل يتعين على طالب العلم أن يسعى جاهداً لإصلاح هذا القلب، وإصلاحه بالدواء الناجع المفيد فيما جاء عن الله وعن رسوله، والقلوب لها أمراض، والران يتراكم عليها ويحجبها، لكن دواءها وجلاءها بكتاب الله -جل وعلا-، وما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما ذكره العلماء المحققون في بيان عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- في أمراض القلوب فلتراجع، وليكن لطالب العلم نصيب وافر منها، ومؤلفات ابن القيم -رحمه الله- مملوءة بما تعالج به أمراض القلوب.
سم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) " اجتنبوا يعني: ابتعدوا، السبع المذكورة في هذا الحديث، والعدد لا مفهوم له، لكن لأهمية هذه السبع جاء التنصيص عليها، وإلا فالذنوب المهلكة كثيرة جداً، حتى الصغائر قد تجتمع على الإنسان فتهلكه فضلاً عن الكبائر، والموبقات: المهلكات لفاعلهن.