بقول عمر، ومن يقسم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة يستند إلى قول عمر، ومن يقسم البدع إلى الأحكام التكليفية الخمسة يستند إلى قول عمر، فإذا أجبنا عن قول عمر انتهى الإشكال.
قال: وهذه بدعة لكنها حسنة، فما المانع من أن يحدث بدع حسنة بخلاف البدع السيئة؟ هذه بدعة مستحبة فلماذا لا نبتدع بدع واجبة؟ إلى غير ذلك مما يحتمله أحكام التكليف، نقول: أصلاً هذه ليست ببدعة، طيب تقولون: ليست ببدعة وصاحبها يقول: بدعة؟ نقول: ليست ببدعة، طيب كيف يقول: بدعة؟ نقول: هذه ليست بمجاز لأنه لا مجاز، وهذه أيضاً ليست ببدعة لغوية لأنها سبق لها شرعية، ولم تعمل على لا مثال سبق، إنما سبق لها التشريع من المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، وإنما هي من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الأولى سيئة بالفعل والثانية حسنة؛ لأن معاقبة الجاني ليس بسيئة، هذه مشاكلة في التعبير، مجانسة، وهذا أسلوب معروف في البديع من علوم البلاغة.
قال: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
مشاكلة، والمشاكلة: أن يأتي المتكلم بكلام له مشاكل ومجانس في السياق حقيقة أو حكماً، يعني: هل يوجد من قال لعمر: ابتدعت يا عمر فقال: نعمت البدعة؟ لا يشترطون أن يكون المجانس والمشاكل مذكور، بل لو وجد حكمه كأن عمر -رضي الله تعالى عنه- خشي أن يقول قائل: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة، وعلى هذا التقسيم تقسيم البدع إلى ما يمدح وما يذم أو إلى ما يجب ويستحب ويباح تقسيم لا أصل له، والشاطبي في الاعتصام رده رداً قوياً، وقوض دعائمه، وإن قال به بعض العلماء، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) وهنا (من) من صيغ العموم.