هذا الكتاب اعتاد أهل العلم ممن يصنف في الأحكام أن لا يخلو باب الآداب والرقاق، وما يكون دواء للقلوب مما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتادوا أن لا يخلو كتبهم من هذا الباب، أو من هذا الكتاب الجامع؛ لأن طالب العلم إذا عرف الأحكام تأهل للخدمة؛ لتحقيق ما خلق من أجله وهو العبودية، لكن من الذي يضطره إلى العمل بهذه الأحكام؟ تضطره أحاديث الرقاق، وفي هذا الكتاب الجامع منها ما يجعل طالب العلم يعمل بعلمه؛ لأنه في غمرة الأحكام العملية المتعلقة بالبدن، ومعلوم أن الأحكام العملية البدنية إذا أديت على الوجه المشروع لا شك أنها حياة للقلوب، لكن في الغالب والمشاهد في كثير من الناس أنه يأخذ هذه الأحكام ويغرق في بحث هذه الأحكام وأقوال أهل العلم فيها، ويغفل عما يصلح قلبه، ولذا يوجد الجفاء بين كثير من طلاب العلم، بل ممن ينتسب إلى العلم أحياناً، وعدم الإقبال على الله -جل وعلا- في عباداته، ولهذا الثمرة المرجوة من هذه العبادات ضعيفة، فالصلاة تثمر التقوى والخشية والمراقبة لله -جل وعلا-، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، فنجد من طلاب العلم من يصلي ويحرص على الصلاة، ومع ذلك توجد منه بعض المخالفات فضلاً عن عامة الناس، والسبب في هذا الخلل الموجود في هذه الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] فالصلاة إذا أُديت على الوجه المطلوب، ووجد لبها وهو الخشوع، وتدبرت وعقلها صاحبها أثمرت الثمرة المرجوة، وإلا ماذا يتوقع من صلاة لم يخرج صاحبها إلا بعشر أجرها، هذه الصلاة هل يتوقع أن تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ ((الصلوات الخمس كفارات لما بينهما ما لم تغش الكبيرة)) هذه الصلاة تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟! شيخ الإسلام يقول: إن كفرت نفسها فبها ونعمت، وكذلك بقية الأركان.