قال -رحمه الله- بعد ذلك: "وعن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر)) " فيما سقت السماء بالمطر أو بالبرد أو بالطل الذي يتحلل فيما بعد مع دفء الجو، وينزل على المزارع إذا كان يكفيها، فهو المطر، أو البرد إذا نزل من السماء ثم ماع في الأرض صار ماءاً.

((أو كان عثرياً)) يعني يعثر على الماء بعروقه، بأن يكون الماء قريباً من سطح الأرض، فيشرب الماء بعروقه، ولا يحتاج إلى سقي يترتب عليه كلفة ومؤونة.

((العشر)) لأن هذه تسقى من غير فعل الآدمي، فزاد فيها حق الله -جل وعلا- إلى أن وصل إلى العشر، أكثر من غيرها، وكلما سهل الحصول على المال كثرت فيه الزكاة، أو زاد نصيب الفقراء منه، وإذا صعب الحصول عليه قل، هذا الأصل؛ لأنه قد يقول قائل: أنا أتعب كثيراً في تحصيل الأموال، وفلان لا يتعب، لماذا لا تكون الزكاة عليه أكثر من الزكاة علي طرداً لمثل هذا الكلام؟ يعني قد يخرج الاثنان إلى السوق في ظروف متشابهة، ويتعاملون بمعاملات متقاربة، فيرجع هذا بالألوف، وهذا قد يرجع بشيء يسير، وقد لا يرجع بشيء، ثم في النهاية إذا حال الحول فإذا بأحدهما عنده مائة ألف، والثاني عنده عشرة آلاف، هل نقول: هذا الذي سهل عليه الكسب وكسب مائة ألف خلال عام عليه أكثر من زكاة الثاني؟ لا، هذا يقتصر على ما ورد فيه النص؛ لأن بعض الناس تيسر له أسباب التجارة، ويربح الأرباح الطائلة من غير عناء ولا مشقة، والسبب في هذا عدم مراعاة مثل هذا الأمر أنه لا ينضبط، ما يمكن ضبطه، بينما ما جاء فيه النص يمكن ضبطه، وأما ما عداه من أنواع التجارات فلا يمكن ضبطه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015