"أقام النبي-صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر" وهذا في عام الفتح، لما فتح مكة -عليه الصلاة والسلام- أقام بها يجمع العدة، يعد العدة لغزو ثقيف وهوازن، وهذا محمول عند أهل العلم على أنها ليست إقامة، وأنه في كل يوم يقول: يتم أمرنا ونذهب لغزوهم، والمسافر إذا لم يزمع الإقامة، بل ينتظر عملاً لا يدري ما نهايته وما غايته فإنه يكون مسافراً ولو أقام ما أقام، الذي لا يدري متى ينتهي؟ ولا يدري متى يرجع؟ ولا يدري متى يعود؟ هذا لا يزال يترخص، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإذا زدنا أتممنا، هذا رأي ابن عباس فهم من هذا الحديث أن هذه المدة المحددة الفارقة بين الإقامة والسفر.
"وفي لفظ: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يوماً" رواه البخاري، وعند أبي داود: "أقام بمكة سبع عشرة" هناك تسعة عشر وهنا سبع عشرة، لما ذكر التمييز يوماً مشى على القاعدة أنث الأول وذكر الثاني، ولما حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث، أقام سبع عشرة يعني ليلة بمكة يقصر الصلاة، ولو قال: سبعة عشر لصح، ما دام ليس فيه تمييز ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)).
"يقصر الصلاة" لا شك أن الرواية الراجحة: تسعة عشر، هذه أرجح الروايات، وجاء: سبع عشرة، ولعل من روى هذه المدة وهذا العدد لم يعتد بيوم الدخول ولا بيوم الخروج، ومن قال: تسعة عشر اعتد بهما.
قال: "وقال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس: "أقام تسع عشرة" يعني ليلة "وعنده -أي عند أبي داود من رواية ابن إسحاق-: أقام بمكة عام الفتح خمس عشرة" وهذه الرواية مضعفة عند أهل العلم؛ لأن فيها ابن إسحاق وهو مدلس، وهو روى بالعنعنة، وكأن الراوي فهم أن المدة سبع عشرة لا تسع عشرة، سمع الرواية: سبع عشرة، فحذف يوم الدخول والخروج فصارت خمس عشرة، يعني لو جاء ثالث وقال: ثلاث عشرة، نقول: فهم خمس عشرة وحذف؟ إذاً لا تنتهي، ولذا حكموا على رواية: خمس عشرة بالضعف.
"يقصر الصلاة" وقال البيهقي: اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة، وأصحها عندي رواية من روى: تسع عشرة".