يشبهه آخر حديث في الصحيح: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) هذا الحديث يرويه أبو هريرة لا يشركه في روايته أحد، ويرويه عنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، ويرويه عنه عمارة بن القعقاع لا يرويه غيره، وتفرد بروايته عنه محمد بن فضيل لا يرويه غيره، وعن محمد بن فضيل انتشر، هذان حديثان من الأفراد من أفراد البخاري، وإن شئت فقل: من غرائب الصحيح، التفرد في أصل السند.
أصل السند طرفه الذي فيه الصحابي، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الصحابي نفسه، أو من يرويه عن الصحابي، وجاء عند ابن حجر -رحمه الله تعالى- تنزيل الفرد المطلق على تفرد الصحابي، وجاء أيضاً في تعريف الفرد المطلق أن يتفرد بروايته عن الصحابي شخصٌ واحد، وكأنه في هذا الموضوع رأى أن تفرد الصحابي لا يضر؛ لأن الواحد من الصحابة يعدل أمة، على كل حال هذا هو الفرد في اصطلاحهم، وهذا هو الغريب.
يقول ابن حجر: إن الفرد والغريب مترادفان لغةً واصطلاحاً، لكن إذا بحثنا في معنى الفرد في اللغة، ومعنى الغريب في اللغة وجدنا الفرق، فلا ترادف، اغترب: بعد عن وطنه فهو غريب، اغترب فهو غريب، وتفرد إذا استقل عن غيره فلم يشاركه أحد، فهما من حيث اللغة ليسا بمترادفين، قد يسافر مجموعة من بلدهم من بلدٍ واحد إلى بلدٍ ثانٍ هل يقال لهم: أفراد وهم مجموعة؟ لكن يصح أن يقال: إنهم مغتربون، وقد يكون الواحد المتصف بصفةٍ لا يشاركه فيها أحد فرد، وإن لم يكن مغترباً بعيداً عن وطنه، والغربة والاغتراب معروفة المعنى، والتوحد والتفرد معروف المعنى، هذا من حيث اللغة الذي ذكر الحافظ أنهما مترادفان في اللغة.
أما من حيث الترادف الاصطلاحي الذي أشار إليه ابن حجر ففي كلامه ما يدل على خلافه، في كلامه ما يدل على اختلافه، وأنهم غايروا يعني أهل الحديث غايروا بينهما في الاصطلاح، فأكثر ما يطلق الفرد على كذا، وأكثر ما يطلق الغريب على كذا، ومعلومٌ أن هذا من حيث إطلاق الاسمية الفرد والغريب، أما من حيث إطلاق الفعل فلا فرق بينهما، تفرد به فلان وأغرب به فلان، لا فرق حينئذٍ.