الحديث الفرد والغريب شيءٌ واحد، وهو ما يتفرد بروايته شخصٌ واحد، يعني عندنا فرق بين الحديث الفرد وبين الآحاد، وعندنا بين الغريب من الحديث وغريب الحديث، لا بد من التنبه لهذه الفروق، فالغريب والفرد ما يتفرد به راوٍ واحد ولو في طبقة واحدة من طبقات الإسناد، فإن كان التفرد في أصل السند أي طرفه الذي فيه الصحابي فهي غرابة مطلقة، وأكثر ما يطلق عليه الفرد، وإن كان التفرد في أثناء السند دون طرفه الذي فيه الصحابي أو في آخره من جهة المؤلف فالغرابة نسبية، وأكثر ما يقال فيه: غريب، تفرد به فلان.
عندنا من أوضح ما يمثل به للفرد المطلق أو الغريب غرابة مطلقة حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) يرويه الإمام البخاري عن شيخه الحميدي عبد الله بن الزبير عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من طريق عمر -رضي الله عنه-، ولا يثبت عن عمر إلا من طريق علقمة، ولا يثبت عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عنه سوى يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر حتى قال بعضهم: إنه يروى عن يحيى بن سعيد من طريق من أكثر من سبعمائة وجه، يرويه عن يحيى بن سعيد أكثر من سبعمائة راوي، وإن كان الحافظ ابن حجر يشكك في هذا العدد، ويقول: إنه يجمع الطرق لهذا الحديث منذ بداية الطلب إلى وقتِ تأليف فتح الباري، وقال: إنه لم يقدر على تكميل المائة فضلاً عن مائتين وثلاثمائة وسبعمائة، فالحديث كما سمعتم فردٌ مطلق، تفرده في أصل السند، لم يروه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا صحابي واحد، ولم يروه عن هذا الصحابي إلا تابعي واحد، وهكذا في أربع طبقات.