لكن كيف يقول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ويشنع القول، هذا رجل مبتدع، قولٌ مخترع، يريد هدم السنة ويفعل ويترك إلى آخره، يقول مسلم هذا، هل يقصد البخاري؟ نقول: ما يقصد البخاري، يقصد شخص مبتدع، كيف إذاً البخاري يقول بهذا القول؟ علي بن المديني نسب إليه هذا القول، لماذا لا يقصد البخاري؟ نقول: لا يقصد البخاري، البخاري شيخه، ولا يمكن أن يحصل مثل هذا بين البخاري ومسلم، وقد عرف من حال الإمام مسلم وصنيعه بالإمام البخاري ما عرف، لا يمكن أن يوجه له مثل هذا الكلام، إذاً على من يرد مسلم؟ نقول: مسلم يرد على مبتدع يريد أن يستثمر كلام الإمام البخاري واحتياط الإمام البخاري لرد السنة، يريد أن يستغل هذا الاحتياط لرد السنة.
إذا رددنا على الجبائي من المعتزلة أو رددنا على أبي الحسين البصري منهم، وكلٌ منهما يستدل بفعل عمر -رضي الله عنه-، الذي لم يقبل خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، إذا رددنا على أبي الحسين البصري، أو على أبي علي الجبائي في ردهم السنة استدلالاً بقول عمر هل نحن نرد على عمر؟ لا نرد على عمر، نريد نرد على من يستثمر قول عمر -رضي الله عنه- في رد السنة، كما أننا نرد على من يفهم من آية غير الفهم الصحيح، ولا نرد على الآية، أو من حديث فهمٍ يناسبه يريد أن يستفيد من هذا الفهم للطعن في الدين نرد عليه بعينه.
يعني إذا رددنا على الخارجي الذي يقول بكفر القاتل، قاتل المؤمن المتعمد، وقد استدل بآية النساء هل معنى هذا أننا نرد الآية؟ أو نرد استدلال هذا الخارجي بهذه الآية التي لها ما يوجهها من نصوص أخرى؟ نعم؟ نرد على الاستدلال، فإذا رددنا على المعتزلة في ردهم خبر الذي يرويه شخص واحد ويريدون بذلك أن يردوا السنة فإننا لا نرد على عمر -رضي الله عنه- على احتياط عمر، عمر عرف بالاحتياط والتحري، والدين محفوظ، وكون عمر يتثبت في حديث أو حديثين أو عشرة لا يعني أنه يرد كل السنة، وقد عمل عمر بخبر واحد، وعمل قبله أبو بكر بخبر واحد وهكذا، فمن أراد أن يستغل احتياط الإمام البخاري وشدة تحريه لهدم السنة نرد عليه بعينه ولا نرد عمر.