قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) أي: أؤلف مستعينًا ببسم الله، والاسم مشتقٌ من السمو، والله عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان استعملتا للمبالغة من رحم، والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطَع بالتخفيف وقطَّع بالتشديد، وابتدأ بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». أي ناقص وقليل البركة. (الحَمْدُ) أي الوصف بجميل الصفات على الجميل الاختياري على جهة التعظيم ثابت، (لِلَّهِ) اختصاصًا واستحقاقًا سواء جعلت فيه أل للاستغراق وهو ظاهر، أم للجنس لأنه يلزم من اختصاص الجنس اختصاص جميع الأفراد، أم للعهد بمعنى أن الحمد المعهود الذي حمد الله به نفسه، وحمده به أنبياؤه وأولياؤه وأصفياؤه مختص به، والعبرة بحمد من ذكر فلا فرد منه لغيره على كل تقدير بدلالة المطابقة على الاحتمال الأول وبدلالة الالتزام على الثاني وبالادعاء على الثالث، وابتدأ بالحمدلة ثانيًا بعد الابتداء بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز وعملاً بخبر «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع»، وجمع بين الابتدائين عملاً بالروايتين، وإشارة إلى أنه لا تعارض بينهما، إذا الابتداء حقيقي وإضافي، فالحقيقي حصل بالبسملة والإضافي حصل بالحمدلة، واختار في جملة الحمد الاسمية على الفعلية اقتداءً بالآية ولدلالتها على الثبات والدوام، وقدم لفظ الحمد على لفظ الجلالة لرعاية المقام، وإن كان لفظ الجلالة أهم بالتقديم لذاته، فرعاية المقام أنسب للبلاغة إذ هي مطابقة الكلام لمقتضى المقام (الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا) أي: أظهر وأوجد (نَتَائِجَ) جمع نتيجة وهي قضية لازمة لمقدمتين، كقولنا: العالم حادث اللازم لقولنا: العالم متغير، وكل متغير حادث. (الفِكْرِ) يطلق على المفكر فيه مجازًا، وعلى حركة النفس في المعقولات، أي: انتقالها من المبادئ إلى المطالب، وعلى النظر الاصطلاحي اصطلاحًا فيعرف الفكر على الأخير بأنه: ترتيب أمور معلومة للتوصل بها إلى أمر مجهول، فالأمور المعلومة المقدمتان: الصغرى، والكبرى، والأمر المجهول هو: النتيجة. كما تقدم تمثيله (لأَرْبَابِ) أي: أصحاب الحِجَا بالقصر، أي: العقل، وهو نور روحاني به تدرك النفس المعلومات الضرورية والنظرية، وفي تصدير الكتاب بذكر النتائج والفكر والعقل براعة استهلال وهي أن يأتي المتكلم في أول كلامه بما يُشعر بمقصوده، ففي ذلك إشعار بالمنطق الذي يتكلم فيه على النتائج والفكر، أي: النظر، وهو من العلوم العقلية.

ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015