عرفنا التصور وعرفنا التصديق ما الذي يوصل إلى التصور؟ له طريق له سلم، ما هو؟ قال: (يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ) يعني المعرفات، إدراك المفرد الذي هو التصور الذي يوصل إليه المعرفات، وهذا سيأتي بحث باب المعرفات، والتصديق الذي يوصل إليه ما يسمى بالحجة، وهو باب القياس سيأتي، إذًا التصور له طريق، والتصديق له طريق، ولذلك قلنا: التصور قد يكون منه شيء صحيح وقد يكون فاسد، ما الذي يميز هذا عن ذاك؟ سلوك الطريق الذي رسمه المناطقة وهو المعرفات، وما الذي يوصل التميز بين التصديق الصحيح وغيره؟ هو سلوك الطريق الذي وضعه المناطقة، (وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ) يعني والذي وصل به يعني بسببه [إلى تصورٍ] أي وصل، أي توصل، [أي والقول] يعني فسر ما هنا بالقول، فسر ما بالقول ... [والقول الذي وصل به إلى تصورٍ كالحد في قولك) يعني كالتعريف ... [كالحد في قولك: الحيوان الناطق] كيف عرفت الإنسان؟ ما الإنسان؟ قال: حيوان ناطق. ما الطريقة الذي وصل إلى تفسير معنى الإنسان؟ كونه حيوان هذا يسمى حدًا يسمي تعريفًا (كالحد في قولك: الحيوان الناطق، والرسم في قولك: الحيوان الضاحك) وهذا سيأتي بحثه في محله [(يُدْعَى) أي يسمى عند المناطقة (بِقَوْلٍ شَارِحٍ)]، قول مصدر بمعنى المقول، وشارحٍ أي كاشفٍ.
[أما تسميته قولاً فلأن القول هو المركب] مرادف للمركب عندهم [القول هو المركب] بمعنى واحد عند المناطقة [هو المركب] يسمى تعريفًا ومُعَرِّفًا، [وأما تسميته شارحًا فلشرحه الماهية] يعني كشفه الماهية الحقيقة، [فالمعني والقول الذي وصل به إلى تصورِ المعرف يسمى بالقول الشارح في اصطلاح المناطقة]، ويسمى المعرف والتعريف، [وقوله: (فَلْتَبْتَهِلْ) أي تجتهد في الطلب]، هذه [جملة كمل بها البيت].
(وَمَا لِتَصْدِيقٍ بِهِ تُوُصِّلاَ) وما توصل به بسببه إلى تصديقٍ [أي والقول الذي توصل به للتصديق، وهو القياس في مثل قولنا: العالم متغير وكل متغيرٍ حادث. (بِحُجَّةٍ يُعْرَفُ عِنْدَ العُقَلاَ)] يعرف بحجةٍ عند العقلاء ... [أي يسمى عند المناطقة بالحجة أي الدليل، لأن من تمسك به حَجَّ خصمه أي غلبه] عقلاء حذف الهمزة والألف العقلا للعهد، والمراد هنا المعهود أرباب هذا الفن، كما مر معنا أرباب الحجا، إذًا الذي يوصل إلى التصور هو القول الشارح، والمرد بالقول الشارح المعرفات سيأتي بحثها في باب مستقل، والذي يتوصل به إلى إدراك تصديق هو ما يسمى بالحجة، ويسمى القياس وسيأتي باب خاص بالقياس هذا حاصل قوله: (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ).
- - -
(فَصْلٌ: فِي أَنْوَاعِ الدَّلالَةِ الْوَضْعِيَّة)