إذًا النظري قد يكون تصورًا كالإنسان، وقد يكون تصديقًا كالعالم حادث، إذًا التصور قد يكون نظريًّا وقد يكون ضروريًّا، (وَعَكْسُهُ) أي عكس النظر بالمعنى اللغوي، يعني المخالف لهم، [(وَعَكْسُهُ) أي ما لا يحتاج إلى النظر] هو الضروري، هو العلم الضروري، (الجَلِي) هذه صفة كاشفة يعني: (الضَّرُورِيُّ الجَلِي) يعني ظاهر، [أي الظاهر الواضح، فهو ما لا يحتاج إلى النظر، وإن احتاج إلى حدسٍ أي ظنٍ، كالعلم بأن نور القمر مستفاد من نور الشمس، الحاصل باختلاف تشكلاته بحسب القرب منها والبعد عنها، فإنه يورث ظن استفادة نوره من نورها، أو احتاج إلى تجربة كالعلم بأن الدواء الفلاني مسهل للطبيعة عند شربه، فالعلم الضروري التصوري كإدراك وجودك، والتصديقي كإدراكك أن الواحد نصف الاثنين] يعني العلم الضروري قد يدخل فيه الحدثيات، وهذا يأتي في آخر النظم، وكذلك الأشياء التي تكون من جهة التجربة، إذًا داخلٌ في علم الضروري وسيأتي في آخر النظم، الشاهد هنا في قوله: (فالعلم الضروري التصوري كإدراكِكَ وجودَك) يعني أنت موجود أو لا؟ هذا علم ضروري لا يختلف أو يحتاج أبحاث وأنظر وأسأل وأتأمل وأستخير، أنت موجود أو لا؟ موجود، إذًا العلم بوجودك نقول: هذا علم ضروري، الوجود شيء واحد مفرد، إذًا يسمى تصورًا ضروريًّا.

الثاني: إدراك أن الواحد نصف الاثنين، أن الكل أكبر من الجزء، هذا يسمى إدراكًا ضروريًّا وهو تصديق، إذًا علمٌ ينقسم إلى تصور وتصديق، والتصور قد يكون نظريًّا وهو ما احتاج للتأمل، وقد يكون ضروريًّا وهو عكسه، والتصديق قد يكون نظريًّا وقد يكون ضروريًّا، ولذلك قلنا: ... (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) وهي أربعة مأخوذة من كلام الناظم من جهة الاستقصاء يعني لم ينص على ذلك وإنما هي معلومة.

- - -

وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ ... يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ فَلْتَبْتَهِلْ

وَمَا لِتَصْدِيقٍ بِهِ تُوُصِّلاَ ... بِحُجَّةٍ يُعْرَفُ عِنْدَ العُقَلاَ

(وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ) أي والقول الذي وصل به إلى تصورٍ كالحد في قولك: الحيوان الناطق، والرسم في قولك: الحيوان الضاحك (يُدْعَى) أي يسمى عند المناطقة (بِقَوْلٍ شَارِحٍ) أما تسميته قولاً فلأن القول هو المركب، وأما تسميته شارحًا فلشرحه الماهية، فالمعني والقول الذي وصل به إلى تصورٍ المعرف يسمى بالقول الشارح في اصطلاح المناطقة، وقوله: (فَلْتَبْتَهِلْ) أي تجتهد في الطلب، جملة كمل بها البيت (وَمَا لِتَصْدِيقٍ بِهِ تُوُصِّلاَ) أي والقول الذي توصل به للتصديق، وهو القياس في مثل قولنا: العالم متغير وكل متغيرٍ حادث. (بِحُجَّةٍ يُعْرَفُ عِنْدَ العُقَلاَ) أي يسمى عند المناطقة بالحجة أي الدليل، لأن من تمسك به حَجَّ خصمه أي غلبه.

ــــــــــــــــــ - الشرح - ــــــــــــــــــ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015