فكذلك علم المنطق، قواعد إذا لم يمارسها ولم يطبق ويتمرن ويتمرس عليها، حينئذٍ لا يفيده ذلك شيئًا، كما أن حافظ القواعد النحوية، أو الصرفية، أو البيانية، أو الأصولية إذا لم يمارس لن يستفيد شيئًا، فالعلم ليس نظريًّا، وإنما هو ملكة صناعة، حينئذٍ لا بد من الممارسة، ولذلك لو درس مائة سنة الطب مثلاً ولم يمارس ما استفاد شيئًا ولا يسمى طبيبًا إلا بالمعنى النظري أما العملي فلا، ولذلك الطب له معنى نظري وله معنى عملي، الطب إذا أطلق انصرف إلى الثاني هذا هو الأصل، وأما النظري هذا ما تأتيه إليه تفر منه فرارك من الأسد، إذًا هذا العلم [تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في الفكر، أي النظر]، لماذا؟ [لأنه إذا علم كيفية تركيب القياس من تقديم الصغرى على الكبرى، واستيفاء شروط الإنتاج ورتب المقدمتين كانت النتيجة صوابًا سالمة من الخطأ]، يعني: عرف الطريق الموصول إلى القياس، إلى التصور، إلى التصديق، لأن القياس هو طريق التصديق (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا)، هذا يعصم الأفكار عن غير الخطأ، هذه فائدة من فوائد تعلم المنطق، ثانيًا [(وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ) أي الفهم الدقيق]، هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، والفهم هنا مصدر فَهِمَ يَفْهَمُ فَهْمًا
فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى
والمراد به اسم المفعول أي المفهوم. (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ)، والفهم هو إدراك معنى الكلام، [الدقيق] يعني المستتر [(يَكْشِفُ) ذلك العلم] المنطق بمراعاته وحفظ قواعده [(الغِطَا) أي الستر] بكسر السين [شبه المفهوم الدقيق بالشيء المحتجب تحت الستر والغطا تخييل والكشف ترشيح] يعني الناظم هنا استعمل الاستعارة بنوعيها التخيرية والمرشحة، حينئذٍ نقول: في كلامه استعارة بالكناية والتخيير، لأنه كما قال الشارح هنا شبه دقيق الشيء بشيء مغطى تشبيهًا مضمرًا في النفس، وحذف اسم المشبه به وأثبت شيئًا من لوازمه تخيرًا، وهو الغطا والكشف ترشيح إن كان حقيقةً بالمحسوسات فقط، (فَهَاكَ) الفاء هذه فاء الفصيحة، إذا علمت أهمية عمل المنطق لما ذكر.
فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا ... وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا
إذا أردت شيئًا من قواعده وأصوله.
- - -
فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا ... تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ فَوَائِدَا
سَمَّيْتُهُ بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ ... يُرْقَى بِهِ سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ