هذا إنما التقسيم لماذا؟ لطلب الفعل لا لطلب الترك، يعني: طلب الترك هذا نهي، وهو قال: (أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلاَ). إذًا المراد بالطلب هنا المقسم أو المنقسم هو طلب الفعل كما يفيده قوله: (أَمْرٌ). وهو ما دل على طلب الفعل بذاته، يعني: بصيغته بدون واسطة، ليخرج ما دل على الطلب بالواسطة كقوله: {لِيُنفِقْ} [الطلاق: 7]. (كاضرب) حال كون الأمر (مَعَ اسْتِعْلاَ)، حينئذٍ هو طلب ليس مطلق طلب وإنما [(مَعَ اسْتِعْلاَ) أي مع إظهار الطالب العلو على المطلوب منه] فهو طلب العلو، سواءٌ كان الطالب عاليًا في نفسه أو لا، يعني: ولو كان مدعيًا، إذًا الأمر يكون أمرًا ويسمى الفعل فعل الطلب إذا كان مع استعلاء، بأن يكون من أعلى إلى أدنى، وهذا تقسيمٌ يعني: حادث ليس دالاً عليه لسان العرب. [(وَعَكْسُهُ) أي: طلب الفعل لا (مَعَ اسْتِعْلاَ) بل مع خضوع]، يعني: طلب علو أو خضوع، (وإظهار الطالب الانخفاض عن المطلوب منه)، وهذا يسمى [(دُعَا) أي يسمى بذلك في الاصطلاح، والطلب في حال التساوي التماس (فَالْتِمَاسٌ)] الفاء هذه [زائدة في الخبر أي يسمى بذلك عند إظهار الطالب المساواة للمطلوب منه، (وَقَعَا) أي: ثبت] والألف للإطلاق، إذًا طلب الفعل إيجاد الفعل، إن كان من أعلى إلى أدنى يسمى أمرًا، إن كان من أدنى إلى أعلى يسمى دعاء، إن كان من مساوٍ لمساوٍ يسمى التماسًا، وهذا لا يدل عليه لسان العرب، وإنما هو تقسيم اصطلاحي، التقسيم الاصطلاحي يعني: لا يسلم له، ولذلك في صيغة الأمر عند الأصوليين يختلفون، هل الأمر ما دل على الطلب مع الاستعلاء أو مع العلو أو لا يشترط فيه ذا ولا ذاك؟ والصحيح أنه لا يشترط فيه ذا ولا ذاك، فالأمر ما دل على الطلب ولا يشترط فيه لا استعلاء ولا علو.
وليس عند جل الأذكياء ... شرط علوٍ فيه واستعلاء
هذا المرجح عند الأصوليين، ولذلك قال هنا الشارح: [وهذا التقسيم الذي مشى عليه الناظم طريقةٌ لبعضهم]. يعني: بعض المناطقة، أو كذلك بعض البيانيين، يعني: اصطلاح، وأما لسان العرب فليس فيه ذلك، وإنما دخل ذلك على النحاة في قولهم إذا قال الداعي: ربنا اغفر لنا. قالوا: أدبًا لا يقال: اغفر. هذا أمر تأمر ربك؟ قالوا: لا. إذًا نقول: هذا دعاء، نسميه دعاء ولا بأس به يكون من باب التأدب فقط، وأما أنه بالفعل ينقسم في لغة العرب إلى أمر بمعنى استعلاء، ودعاء والتماس نقول: هذا اصطلاح لا وجود له البتة، (والراجح) قال الشارح: [والراجح تسمية الكل أمرًا]. وهو كذلك هذا الصحيح أن الكل يسمى أمر، فالدعاء أمر هذا في حقيقته اللغوية، والالتماس أمرٌ، لأن صيغة افعل نطقت بها العرب ولم تمييز بين ذا وذاك ولم تشترط فيه استعلاء ولا غيره، [والغرض من التقسيم هنا بيان الخبر] لأنه سيبحث في الخبر فيما سيأتي [لأن المنطقي لا يبحث إلا عن الخبر]، وأما الطلب بأنواعه الثلاثة هذا استطراد لا حاجة إليه، وإنما البحث في الخبر.
مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ... بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا
كما سيأتي، [ولا بحث له عن الطلب بأقسامه]، [ولما ذكر الكلي والجزئي استطرد فذكر ما يشاركهما في المادة] يعني في اللفظ، [وهو الكلّ والكليّة والجزء والجزئيّة] عندنا ستة ألفاظ.