(الْقَاعِدَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ (الْمَادَّة / 39))
لَا يُنكر تغير الْأَحْكَام بِتَغَيُّر الْأَزْمَان، أَي بِتَغَيُّر عرف أَهلهَا وعادتهم، فَإِذا كَانَ عرفهم وعادتهم يستدعيان حكما ثمَّ تغيرا إِلَى عرف وَعَادَة أُخْرَى فَإِن الحكم يتَغَيَّر إِلَى مَا يُوَافق مَا انْتقل إِلَيْهِ عرفهم وعادتهم، وَلذَا لما كَانَ لون السوَاد فِي زمن الإِمَام، رَضِي الله عَنهُ، يعد عَيْبا قَالَ بِأَن الْغَاصِب إِذا صبغ الثَّوْب أسود يكون قد عَيبه، ثمَّ بعد ذَلِك لما تغير عرف النَّاس وصاروا يعدونه زِيَادَة قَالَ صَاحِبَاه إِنَّه زِيَادَة.
وَكَذَلِكَ الدّور لما كَانَت تبنى بيوتها على نمط وَاحِد قَالَ المتقدمون غير زفر: يَكْفِي لسُقُوط خِيَار الرُّؤْيَة رُؤْيَة بَيت مِنْهَا، وَلما تبدلت الْأَزْمَان وَصَارَت بيُوت الدّور تبنى على كيفيات مُخْتَلفَة رجح الْمُتَأَخّرُونَ قَول زفر من أَن لَا بُد من رُؤْيَة كل الْبيُوت ليسقط الْخِيَار.
وَكَذَلِكَ قَالَ المتقدمون إِن الدَّائِن لَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاء دينه من مَال الْمَدْيُون حَال غيبته إِلَّا إِذا كَانَ من جنس حَقه، وَقَالُوا على الزَّوْجَة أَن تتَابع زَوجهَا بعد إيفائه لَهَا معجل مهرهَا حَيْثُ أحب، لما كَانَ فِي زمانهم من انقياد النَّاس إِلَى الْحُقُوق. ثمَّ لما انْتَقَلت عَادَة النَّاس إِلَى العقوق قَالَ الْفُقَهَاء للدائن اسْتِيفَاء دينه وَلَو من غير جنس حَقه، وَقَالَ الْمُتَأَخّرُونَ لَا تجبر الزَّوْجَة على مُتَابعَة الزَّوْج إِلَى غير وطنها الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ وَإِن أوفاها معجل مهرهَا، لتغير حَال النَّاس إِلَى العقوق.