وهنا قد يقول قائل: الباطنية يقولون: القرآن له ظاهر وله باطن، والمعتزلة وأئمة الكلام كالجمهية يقولون: القرآن له ظاهر وله تأويل، فما الفرق بين المعنى التأويلي والمعنى الباطني؟
والجواب: أن المعنى التأويلي أصحابه كالمعتزلة يوجهونه عبر طريق اللغة العربية، بمعنى: أنهم يحورون الآية تحويراً عربياً، وفي الغالب يعتمدون على مقدمات لغوية أكبرها وأخصها ما يسمى بنظرية المجاز اللغوي، فيحورون الآية عبر نظرية المجاز ومقدمات لغوية أخرى، فيجعلونها دليلاً على هذا المعنى الذي حصلوه، فإذا قيل لهم: هل نطق القرآن بهذا هذا المعنى؟ قالوا: نعم.
وهذا بحكم كلام العرب، ولكنه على الطريقة المجازية وليس على الطريقة الحقيقية.
فهم في النتيجة العامة يعتمدون على اللغة وعلى التفسير اللغوي للقرآن، أما كونهم يغلطون في ذلك فهذا مقام آخر، لكن المقصود بيان طريقة التحصيل.
أما الباطنية فلا يفسرون القرآن تفسيراً لغوياً، بمعنى أنهم لا يقولون: إن لغة العرب تدل على ظاهر وتدل على باطن، وإنما الباطن عندهم لغة إشارية تكشف -فقط- للرجل الباطني الذي قد وصل إلى سقف الباطنية، فيفسر -مثلاً- كلمة (الصلاة) بتفسير لا تدل عليه، فليست العبرة أنه متلقى من مادة لغة العرب، إنما هذا بحسب الحكمة الباطنية، وبحسب الفكر الباطني الفلسفي يكون التفسير للقرآن، ويسمون ذلك: (الإشارات) أي: أن القرآن أشار إشارات باطنية لطرقهم، وذلك مثل مسألة خلع النعلين في قصة موسى عليه السلام، فإن بعض الغلاة من باطنية الصوفية يقولون: ليس المقصود أنه فعلاً خلع نعليه، ولكن خلع النعلين يعني: التجرد من عالم المشاهدة إلى عالم الربوبية ..
وأمثال هذه التفسيرات.
فهذا هو الفرق بين التفسير الباطني والتفسير التأويلي عند المتكلمين.