قال المصنف رحمه الله: [فغاليتهم يسلبون عنه التقيضين، فيقولون: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل؛ لأنهم -بزعمهم- إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات، فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بدائه العقول، وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقعوا في شر مما فروا منه].
شرع المصنف رحمه الله في بيان مذاهب النفاة للصفات، وهم المنتسبون للطوائف الثلاث التي انتسب أصحابها للقبلة، وهي: الباطنية، والفلاسفة، والجهمية المتكلمة، فقال: (فغاليتهم يسلبون عنه النقيضين، فيقولون: لا موجود ولا معدوم) وهذه هي مقالة الباطنية، والمصنف لم يرتب الأمر كالترتيب السابق، إنما أراد أن يبدأ بالمقالة الغالية فما دونها، وقد بدأ بذكر مذهب الباطنية القائلين بأن الله لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت
إلخ.
وهذا المذهب لم يشتبه على أصحابه بسبب نصوص مجملة أو مفصلة، ولا بسبب العقل المجرد، وهو الدليل العقلي الذي يشترك فيه العقلاء، ولم يشتبه عليهم بالمعنى الفطري أو المعنى الحسي، ولكن هذه نزعة فلسفية منقولة، نقلها هؤلاء الباطنية إلى بيئة المسلمين، وزعموا أنهم على هذه الطريقة، ولذلك إذا قيل لهم: هل ذكر القرآن ذلك؟ قالوا: لا.
القرآن له باطن.