قال المصنف رحمه الله: [والمقصود هنا أن من صفات الله تعالى ما قد يعلم بالعقل، كما يعلم أنه عالم، وأنه قادر، وأنه حي، كما أرشد إلى ذلك قوله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك:14] وقد اتفق النظار من مثبتة الصفات على أنه يعلم بالعقل -عند المحققين- أنه حي عليم قدير مريد، وكذلك السمع والبصر والكلام يثبت بالعقل عند المحققين منهم؛ بل وكذلك الحب والرضا والغضب يمكن إثباته بالعقل، وكذلك علوه على المخلوقات ومباينته لها مما يعلم بالعقل، كما أثبتته بذلك الأئمة، مثل أحمد بن حنبل وغيره، ومثل عبد العزيز المكي، وعبد الله بن سعيد بن كلاب].
كل هؤلاء أثبتوا الدليل العقلي على علو الله سبحانه وتعالى، ومن هؤلاء من هو من النظار؛ كـ ابن كلاب، ومنهم من هو من أهل الحديث؛ كالإمام أحمد.
وإنما ذكر المصنف الإمام أحمد وابن كلاب؛ ليعلم بذلك أن العلم بالدلائل العقلية معروف ليس عند أهل السنة وحدهم؛ بل حتى عند الفضلاء من المتكلمين ومقتصدة النظار؛ فإنهم يعلمون ويفصلون الدلائل العقلية، وحتى المعتزلة، فإنهم -وإن عبروا بما عبروا به- يمتنع عليهم تجريد المسائل المقولة في صفات الله وفي ربوبيته وكماله عن الأحكام العقلية، فإنه إذا تعذر العقل في هذا المقام؛ امتنع التقرير لمسألة وجود الرب سبحانه وتعالى في طريقتهم، فإن طريقتهم في إثبات وجوده طريقة عقلية، وما كان طريقاً عقلياً في إثبات وجوده لزم أن يكون طريقاً مطرداً في تحقيق وجوده، ولا شك أن تحقيق وجوده سبحانه وتعالى لا يكون إلا بإثبات صفات الكمال اللائقة به.