قال المصنف رحمه الله: [وأصل كلام هؤلاء كلهم على أن إثبات الصفات يستلزم التجسيم، والأجسام متماثلة].
هذا ما يسمى بدليل الأعراض، فهم قالوا: إن الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بجسم، والأجسام متماثلة.
لكنهم ينازَعون في هذه المقدمات؛ فيقال مثلاً: ما معنى أن الأجسام متماثلة؟ فإذا قصد بالتماثل أن الأجسام موصوفة بالصفات، فهذا وجه، ثم ما المقصود بالأجسام نفسها؟
فيقال: كلمة الأجسام كلمة فيها إجمال، فما المقصود بالجسم؟ فإن قصدتم بالجسم الموصوف بالصفات أو القائم بنفسه، فهذا معنى، ولا يلزم أن يسمى جسماً في لسان العرب على هذا الاطراد، فإن الجسم في لسان العرب هو البدن الكثيف.
وأيضاً: ما معنى التماثل الذي يقال في الأجسام؟ فإن هذه كلها كلمات مجملة مشتركة، ما أنزل الله بها من سلطان.
قال المصنف رحمه الله: [والمثبتون يجيبون عن هذا تارةً بمنع المقدمة الأولى، وتارةً بمنع المقدمة الثانية، وتارة بمنع كلتا المقدمتين، وتارةً بالاستفصال].
وهذا من فقه المناظرة والجواب، أنه تارةً تمنع المقدمة الأولى، وتارةً تمنع المقدمة الثانية، وتارة تمنع المقدمتان، وتارةً بالاستفصال، فإنهم يقولون: إن إثبات الصفات يستلزم التجسيم -وهذه هي المقدمة الأولى- والأجسام متماثلة -وهذه هي المقدمة الثانية- والنتيجة نفي الصفات.
فيقول المصنف: إما أن تنفى المقدمة الأولى، فيقال: إثبات الصفات لا يستلزم التجسيم، أو تنفى المقدمة الثانية، وهي قولهم بتماثل الأجسام؛ بل يقال: هي مختلفة، أو تنفى المقدمتان، أو يستفصل، فيقال: ماذا تقصدون بالتجسيم؟ وماذا تقصدون بالتماثل؟
قال المصنف رحمه الله: [ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل، سواء فسروا الجسم بما يشار إليه، أو بالقائم بنفسه، أو بالموجود، أو بالمركب من الهيولى والصورة، ونحو ذلك].
لأن معنى التماثل في العقل: أن الماهيتين ليس بينهما قدر من الامتياز، وهذا المعنى بيِّن الامتناع بين المخلوقات، فإذا كان بين الامتناع بين المخلوقات -كما سبق في المثلين المضروبين- فبين الخالق والمخلوق من باب أولى.
وقوله: (أو بالمركب من الهيولى والصورة):
أي: من المادة والصورة.