قال المصنف رحمه الله: [ثم من هؤلاء الصفاتية من لا يقول في الصفات: إنها قديمة، بل يقول: الرب بصفاته قديم.
ومنهم من يقول: هو قديم وصفته قديمة، ولا يكون هو وصفاته قديمان.
ومنهم من يقول: هو وصفاته قديمان، ولكن يقول: ذلك لا يقتضي مشاركة الصفة له في شيء من خصائصه].
وهذه الأقوال كلها -من جهة الألفاظ- أقوال مجملة، لا ينبغي الإطلاق فيها والقول بها؛ لأن ثمة ألفاظاً أو حروفاً محكمة، وهي المذكورة في قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60] {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:3] فهذه الكلمات كلمات محكمة، والمسلمون يفهمون منها فقهاً واحداً صحيحاً، وهو أن الله موصوف بالكمال منزه عن النقص.
أما التكلم بمسألة: هل الصفة هي الموصوف أم ليست هي الموصوف؟ وهل يقال: هو قديم بصفاته، أم صفاته قديمة؟!! فإن هذا كله من الاستفصالات المتكلفة.
قال رحمه الله: [فإن القدم ليس من خصائص الذات المجردة؛ بل هو من خصائص الذات الموصوفة بصفات، وإلا فالذات المجردة لا وجود لها عندهم، فضلاً عن أن تختص بالقدم، وقد يقولون: الذات متصفة بالقدم، والصفات متصفة بالقدم، وليست الصفات إلهاً ولا رباً، كما أن النبي محدث وصفاته محدثة، وليست صفاته نبياً].
وهذا جواب بعض متكلمة الصفاتية على إيراد المعتزلة، وهذا الجواب إنما بني على أصل غلط عندهم من جهة العقل، فإن منهم من يسلم ويقول: إن الصفة قديمة والموصوف قديم، ثم يقول: إنه لا يلزم أن تكون الصفة رباً, وهذا كله من باب السفسطة العقلية؛ لأن هذا يرجع إلى أن ثمة انفكاكاً بين الصفة وموصوفها، وهذا ليس كذلك، وتجد أنهم يجعلون من مثاله ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم محدث -أي: مخلوق- فيقولون: إن نبوته من الله سبحانه وتعالى، مع أنه مخلوق من مخلوقات الله.
فهذا التفصيل إنما ورد عليهم بهذه الكلمات المجملة التي نطقوا بها، ولك أن تقول: إن هذه الحقائق البسيطة في الفطرة ومدارك العقل الأول وما قضت به الشرائع بينة واضحة، وهذا هو معنى البساطة المذكورة هنا (بسيطة) أي: بينة واضحة مفصلة، من بسط الشيء وبيانه.
ولكن عندما أدخلوا عليها هذا التقسيم، وهذه الفروضات واللزومات؛ لزمتهم هذه الإشكالات.