قال المصنف رحمه الله: [فمن اشتبه عليهم وجود الخالق بوجود المخلوقات حتى ظنوا وجودها وجوده؛ فهم أعظم الناس ضلالاً من جهة الاشتباه؛ وذلك أن الموجودات تشترك في مسمى الوجود، فرأوا الوجود واحداً، ولم يفرقوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع].
يشير المصنف إلى طريقة أهل وحدة الوجود من غلاة المتفلسفة المتصوفة، ومما ينبغي أن ينبه إليه هنا: أن من قال بهذا المذهب -وهو ما يسمى بمذهب وحدة الوجود- هم قوم من الباطنية المتفلسفة، الذين نسجوا على طريقة الصوفية، وأما أن قوماً من العباد والسالكين والصالحين الذين ينظرون في كلام الله ورسوله، وينظرون في مقامات الورع ومقامات الديانة والنسك، تحصلت عندهم هذه النتائج، فهذا ليس كذلك؛ لأن هذا المقام لم يصل إليه إلا قوم استعملوا المقدمات الفلسفية، ولهذا فإن كل من تكلم بهذا من أئمة هؤلاء يكون معروفاً بمقام من العلم بالفلسفة.
لكن إنما يشتبه ذلك على بعض الناس لأنه إذا ذكرت الفلسفة تبادر إلى عقله أن الفلسفة هي العلم بالعقليات، أو أنها نظر في العقليات، وهذا ليس كذلك؛ فإن الفلسفة وجهان: إما أن تكون فلسفةً عقلية، وهذه هي التي نظر فيها من يسمون بالفلاسفة الإسلاميين؛ كـ ابن رشد وأمثاله، وإما أن تكون فلسفةً نفسية.
وقد درج نظار بني آدم الذين لم يتلقوا الرسالات السماوية ويصدقوا بها -وهم من يسمون بالفلاسفة وأتباع الفلاسفة- درجوا على أن العلم بالحقائق يكون بأحد طريقين: إما بالطريق العقلي، وإما بالطريق النفسي.
ولما جاء الإسلاميون -أي: من انتسب إلى القبلة وصحح الفلسفة، كـ ابن سينا وابن رشد وأمثال هؤلاء- فمنهم من استعمل الطريق العقلي لتحصيل الحقائق -أي: الفلسفة العقلية- ومنهم من استعمل الفلسفة العرفانية الإشراقية الغنوصية؛ كحال العفيف التلمساني وأمثاله، ومنهم من جمع بين الفلسفتين، فاستعمل هذا تارة وهذا تارة، وهذا على مقام وهذا على مقام، كـ ابن سينا ونحوه.