إن جميع أهل القبلة يسلِّمون بهذه الجملة: (أن الله مستحق للكمال منزه عن النقص)، ولكنهم إذا جاءوا لتفاصيلها وما يسمى بتحقيق المناط، فإن أئمة السنة والجماعة -وأخَصُّهم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم من بعدهم من الفقهاء والمحدثين كالأئمة الأربعة وغيرهم- هؤلاء يستعملون في هذا الباب قاعدة واحدة، وهي ما نص عليه الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة -وهي قاعدة ميسرة سهلة من جهة الإدراك للخاصة والعامة- قال الإمام أحمد رحمه الله: "يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث".
هذه قاعدة أهل السنة والجماعة، وقاعدة الأئمة، وقاعدة جمهور المسلمين؛ لأن جمهور المسلمين هم من أهل السنة والجماعة، وإن كان في بيئتهم بعض العلماء النظار أو المتكلمين، فإن العامة في الغالب هم على أصل الفطرة، وأصل السلامة، وأصل التصديق بظواهر الكتاب والسنة، لم ينتحلوا هذا العلم الكلامي الفلسفي الذي لا يستطيع كثير من المتعلمين والأذكياء والبصراء الإحاطة به لدقته في الفهم، وتعقيد مقدماته وتسلسلها وما إلى ذلك، وليس لقوته في العلم.
وقد نطق كثير من أصحابه بأنه: علم ليس ميسَّراً للعامة؛ بل هو علم من علم الخاصة؛ ولذلك تكلموا في إيمان العامة: هل يصح بدونه؟ وما إلى ذلك، بكلام لا طائل من ورائه.
وأما المخالفون لأهل السنة فإن لهم طرقاً شتى قد خاض أصحابها في هذا الباب بما لا يكون موافقاً للسنة، إما مطلقاً، وإما في بعض المقامات.
فالمخالفون لأهل السنة في الصفات أصناف:
فمنهم من خالف السنة مخالفةً عامة.
ومنهم من خالف السنة في أكثر مواردها.
ومنهم من خالف السنة في كثير من الموارد، وليس في أكثرها.
فهم طوائف، ولهم درجات ومقامات، وليس المقصود هنا التفصيل في مقاماتهم وطرقهم ومنازلهم.
ولما ذكر القدر ذكر أيضاً الإيمان بخلق الله، والإيمان بالقدر: هو الإيمان بخلق الله سبحانه، والإيمان بعلمه سبحانه وتعالى، ومشيئته وإرادته، ثم يُجمع هذا مع الإيمان بأمره، حتى لا يكون للعباد حجة على الله بالقدر.