الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه الرسالة لـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي المسماة بـ (الرسالة التدمرية)، وسبب هذه التسمية بيِّنٌ من جهة النسبة، فإنها رسالة كتبها جواباً لمن سأله من أهل تدمر -وهي بلدة في الشام-.
وقد تضمن ما ذكره في هذه الرسالة كلاماً في أصلين شريفين من أخص أصول الديانة؛ بل هما أخص أصول الديانة، وهما: توحيد الله سبحانه وتعالى وصفاته، ومقام الشرع والقَدَر.
كما تضمنت هذه الرسالة قواعد وأصولاً في مقام الصفات، وطرق الرد على المخالفين.
وعندما تكلم عن الأصل الثاني ذكر القاعدة الشرعية في مقام الشرع ومقام القدر، والتحقيق الذي بعث به الرسل عليهم الصلاة والسلام في الجمع بين مقام الشرع والقَدَر.
ولك أن تقول: إن الجمع بين الشرع والقَدَر هو بمعنى قولك: التحقيق لتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فإن شهود مقام القدر هو شهود لمقام ربوبية الله سبحانه وتعالى، وشهود مقام الشرع هو شهود لمقام عبودية الله سبحانه وتعالى، فمن حقق الجمع بين الشرع والقدر فقد حقق توحيد الله سبحانه وتعالى في مقام ربوبيته، وفي مقام ألوهيته وعبوديته؛ لأن أخص أصول الشرع وأشرفها وأولاها هو أمره سبحانه وتعالى بعبادته وحده لا شريك له، فإن الشرع إذا ذكر قصد به الأمر والنهي، وأخص الأمر الذي أمر الله به سائر العباد هو أمره سبحانه وتعالى بإفراده بالعبادة، كما أن أخص النهي الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه العباد هو نهيهم عن الإشراك به.
ولهذا إذا ذكر الشرع تضمن توحيد الألوهية، وإذا ذكر القدر فإن مقام القدر من أخص مقامات الربوبية.